للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجماهير على أنه لا يَمْسَح الركنين الآخرين، واستحبه بعض السلف، وممن كان يقول باستلامهما: الحسن، والحسين ابنا عليّ، وابن الزبير، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وعروة بن الزبير، وأبو الشعثاء جابر بن زيد -رضي الله عنهم-.

قال القاضي أبو الطيب رحمهُ اللهُ: أجمعت أئمة الأمصار، والفقهاء على أنهما لا يُستلمان، قال: وإنما كان فيه خلاف لبعض الصحابة، والتابعين، وانقرض الخلاف، وأجمعوا على أنهما لا يستلمان، ذكره النوويّ رحمهُ اللهُ (١).

[تنبيه]: قال في "الفتح": استنبط بعضهم من مشروعيّة تقبيل الأركان جواز تقبيل كلّ من يستحقّ التعظيم، من آدميّ وغيره، فأما تقبيل يد الآدميّ، فله أدلّة، فلا كلام فيه، وأما تقبيل غيره، فنُقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتقبيل قبره، فلم ير به بأسًا، واستبعد بعض أتباعه صحّة ذلك، ونُقل عن ابن أبي الصيف اليمانيّ أحد علماء مكة من الشافعيّة جواز تقبيل المصحف، وأجزاء الحديث، وقبور الصالحين. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: هذا عجب غريب من صاحب "الفتح" ينقله، ثم يقرّره، مع أنه بالمكان الرفيع في معرفة النصوص، فكيف هذا؟، فهل كان هذا في عهده -صلى الله عليه وسلم-، أو كان من عمل الخلفاء الراشدين، أو الصحابة أجمعين، أو من تبعهم بإحسان؟ فهيهات هيهات، وأما ما نسبه إلى الإمام أحمد، فمحلّ شك، كما أشار إليه.

ولقد أجاد العلامة الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمهُ اللهُ: في الردّ عليه في تعليقه على "الفتح"، حيث قال: الأحكام التي تنسب إلى الدين لا بدّ من ثبوتها في نصوص الدين، وكل ما لم يكن عليه الأمر في زمن التشريع، وفي نصوص الشرع فهو مردود على من يزعمه، وتقدّم قول الإمام الشافعيّ رحمهُ اللهُ: "ولكنا نتبع السنة فعلًا أو تركًا" (٢)، وهو مقتضى قول أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- فيما خاطب به الحجر الأسود الآتي في الأحاديث الآتية، وسيأتي قول الحافظ، عن ابن عمر في جوابه لمن ساله عن استلام الحجر: "أمره إذا سمع الحديث أن يأخذ


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ١٤.
(٢) هذا القول قاله الشافعيّ؛ ردًّا على قول من قال: ليس شيء من البيت مهجورًا.