"شرح معاني الآثار"(٢/ ١٩٣)، و (البيهقيّ) في "الكبرى"(٥/ ٧٦) و"الصغرى"(٤/ ١٥١) و"المعرفة"(٤/ ٥٤)، و (البغويّ) في "شرح السنّة"(١٩٠٢)، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): قال الحافظ أبو عمر رحمهُ اللهُ: دلّ هذا الحديث على أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستلم من الأركان إلا ركنين اليماني والأسود، وعلى هذا مذهب مالك، والشافعيّ، وفقهاء الحجاز، والعراق، من أهل الرأي، والحديث، ولا أعلم في ذلك خلافًا إلا في الطبقة الأولى، من الصحابة -رضي الله عنهم-، فإنه رُوي عن جابر بن عبد الله، ومعاوية بن أبي سفيان، وأنس بن مالك، وعبد الله بن الزبير، والحسن، والحسين، أنهم كانوا يستلمون الأركان كلها، وروي عن عروة، وأبي الشعثاء مثل ذلك، وروي عنهما خلافه.
واختُلِف عن ابن عباس، ومعاوية في ذلك، فروى شعبة، عن قتادة، عن أبي الطفيل، قال: قدم معاوية، وابن عباس، فطاف ابن عباس، فاستلم الأركان كلها، فقال معاوية: إنما استلم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الركنين اليمانيين، وقال ابن عباس: ليس شيء من أركانه مهجورًا.
ورَوَى هذا الخبر عبد الله بن عثمان بن خُثيم، عن أبي الطفيل، فقلب القصة فيه، وجعل مكان ابن عباس معاوية، ومكان معاوية ابن عباس.
ثم أخرج بسنده عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الطفيل، قال: طاف معاوية بالبيت، ومعه ابن عباس، فكان معاوية يستلم الأركان كلها، فإذا استلم الركنين اللذين في الحجر، فقال له ابن عباس: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يستلم هذين، فقال له معاوية: إنه ليس من البيت شيء مهجور، وجعل ابن عباس يتخافتها كلما استلم، ويقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستلم هذين، ويقول له معاوية: أن ليس في البيت شيء مهجورٌ.
قال أبو عمر: هذه الرواية أثبت من رواية قتادة؛ لأن مجاهدًا روى عن ابن عباس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه لم يستلم إلا الركنين اليمانيين، وأنه أنكر على معاوية استلامه الركنين الآخرين، فلما قال له معاوية: ليس من البيت شيء مهجور، قال له ابن عباس:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
والذي عليه جماعة فقهاء الأمصار، وأهل المعرفة بالآثار، استلام