عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضًا من اللبن، فسوّدته خطايا بني آدم".
قال في "المرقاة": أي صارت ذنوب بني آدم الذين يمسحون الحجر سببًا لسواده، والأظهر حمل الحديث على حقيقته، إذ لا مانع نقلًا، ولا عقلًا، وقال بعض الشرّاح من علمائنا -يعني الحنفية-: هذا الحديث يَحْتَمل أن يراد به المبالغة في تعظيم شأن الحجر، وتفظيع أمر الخطايا والذنوب، والمعنى أن الحجر لِما فيه من الشرف، والكرامة، واليُمْن، والبركة شارك جواهر الجنّة، فكأنه نزل منها، وأن خطايا بني آدم تكاد تؤثر في الجماد، فتجعل المُبْيَضَّ منه أسود، فكيف بقلوبهم، أو لأنه من حيث إنه مكفّر للخطايا محّاءٌ للذنوب، كأنه من الجنة، ومن كثرة تحمّله أوزار بني آدم صار كأنه ذو بياض شديد، فسوّدته الخطايا.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله بعض الحنفيّة غير صحيح، فإن النصوص إذا صحّت، فالواجب حملها على ما يقتضيه ظاهرها، إلا إذا منع منه مانع، وهنا لا يوجد مانع منقول، ولا معقول من إرادة الحقيقة، فيتعيّن الحمل عليها، والله تعالى أعلم.
قال الحافظ رحمهُ اللهُ: واعتَرَض بعض الملحدين على هذا الحديث، فقال: كيف سوّدته خطايا المشركين، ولم تبيّضه طاعات أهل التوحيد؟.
وأجيب بما قال ابن قُتيبة رحمهُ اللهُ: لو شاء الله لكان ذلك، وإنما أجرى الله العادة بأن السواد يصبُغ، ولا ينصبغ على العكس من البياض.
وقال المحبّ الطبريّ رحمهُ اللهُ: في بقائه أسود عبرة لمن له بصيرة، فإن الخطايا إذا أثّرت في الحجر الصّلْد، فتأثيرها في القلب أشدّ.
قال: وروي عن ابن عبّاس: "إنما غيّره بالسواد؛ لئلا ينظر أهل الدنيا إلى زينة الجنة"، فإن ثبت، فهذا هو الجواب.
قال الحافظ: أخرجه الحميديّ في "فضائل مكة" بإسناد ضعيف. انتهى (١).
[تنبيه]: أما ما رواه الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لَمّا قال قوله