للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أن يقال لها: حجة الوداع، وهو غلط، والصواب جواز قول حجة الوداع، قاله النوويّ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم الطواف راكبًا على الراحلة، أو نحوها: قال العلامة القرطبيّ رحمهُ اللهُ: لا خلاف في جواز طواف المريض راكبًا للعذر، واختُلف في طواف من لا عذر له راكبًا، فأجازه قوم، منهم: ابن المنذر؛ أخذًا بطوافه -صلى الله عليه وسلم- راكبًا، والجمهور على كراهة ذلك، ومنعِه، متمسّكين بظاهر قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحجّ: ٢٩]، وظاهره أن يطوف الطائف بنفسه، ومن طاف راكبًا إنما طيف به، ولم يَطُف هو بنفسه، وبأن الصحابة -رضي الله عنهم- اعتذروا عن طوافه -صلى الله عليه وسلم- راكبًا، وبيّنوا عذره في ذلك، فكان دليلًا على أن أصل مشروعية الطواف عندهم ألا يكون راكبًا. انتهى كلام القرطبيّ (١).

وقال النوويّ رحمهُ اللهُ: قال أصحابنا: الأفضل أن يطوف ماشيًا، ولا يركب، إلا لعذر مرض، أو نحوه، أو كان ممن يحتاج إلى ظهوره ليُستفتَى، ويُقتدى به، فإن كان لغير عذر جاز بلا كراهة، لكنه خلاف الأولى.

وقال إمام الحرمين: من أدخل البهيمة التي لا يؤمَن من تلويثها المسجد بشيء، فإن أمكن الاستيثاق فذاك، وإلا فإدخالها المسجد مكروه.

وجزم جماعة من أصحابنا بكراهة الطواف راكبًا من غير عذر، منهم: الماورديّ، والبندنيجيّ، وأبو الطيّب، والعبدريّ. والمشهور الأول، والمرأة والرجل في ذلك سواء، والمحمول على الأكتاف كالراكب، وبه قال أحمد، وداود، وابن المنذر.

وقال مالك، وأبو حنيفة: إن طاف راكبًا لعذر أجزأه، ولا شيء عليه، وإن كان لغير عذر، فعليه دم. قال أبو حنيفة: وإن كان بمكة أعاد الطواف.

فلو طاف زَحْفًا مع القدرة على القيام فهو صحيح، لكنه يُكره، وقال أبو الطيب في "التعليقة": طوافه زحفًا كطوافه ماشيًا منتصبًا، لا فرق بينهما.


(١) "المفهم" ٣/ ٣٧٩ - ٣٨٠.