ثم بيّنت له سبب نزولَ الآية، فقالت:(وَهَلْ تَدْرِي فِيمَا كَانَ ذَاكَ؟) أي في شيء كان نزول هذه الآية الكريمة؟ (إِنَّمَا كَانَ ذَاكَ، أَنَّ الْأَنْصَارَ كَانُوا يُهِلُّونَ) بضم الياء، من الإهلال، أي يحجون (فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أي قبل الإسلام (لِصَنَمَيْنِ، عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ) بفتح الشين المعجمة، وتشديد الطاء المهملة: أي: جانبه، والجمع شُطُوطٌ، مثلُ فلس وفُلُوس (١). (يُقَالُ لَهُمَا) أي للصنمين المذكورين (إِسَافٌ) بكسر الهمزة (وَنَائِلَةُ) قال القاضي عياض رحمهُ اللهُ: هكذا وقع في هذه الرواية، قال: وهو غلطٌ، والصواب ما جاء في الروايات الأُخَرِ في الباب:"يُهِلُّون لمناة"، وفي الرواية الأخرى:"لمناة الطاغية التي بالمشلَّل"، قال: وهذا هو المعروف، ومَنَاةُ صنم، كان نصبه عمرو بن لُحَيّ في جهة البحر بالمشلَّل مما يلي قُدَيدًا، وكذا جاء مُفَسَّرًا في هذا الحديث في "الموطأ"، وكانت الأزد، وغَسّان، تُهِلّ له بالحجّ.
وقال ابن الكلبيّ: مناةُ صخرة لِهُذَيل بقُديد، وأما إساف ونائلة فلم يكونا قطّ في ناحية البحر، وإنما كانا فيما يقال: رجلًا وامرأةً، فالرجل اسمه إساف بن بقاء، ويقال: ابن عمرو، والمرأة اسمها نائلة بنت ذئب، ويقال: بنت سهل، قيل: كانا من جُرْهُم، فزنيا داخل الكعبة، فمسخهما الله حجرين، فنُصِبا عند الكعبة، وقيل: على الصفا والمروة؛ ليعتبر الناس بهما، ويتعظوا، ثم حوّلهما قُصَيّ بن كلاب، فجعل أحدهما ملاصق الكعبة، والآخر بزمزم، وقيل: جعلهما بزمزم، ونحر عندهما، وأمر بعبادتهما، فلما فتح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مكة كسرهما. انتهى كلام القاضي عياض رحمهُ اللهُ.
(ثُمَّ يَجِيئُونَ) أي إلى مكة (فَيَطُوفُونَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ يَحْلِقُونَ) رؤوسهم (فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ كَرِهُوا أَنْ يَطُوفُوا بَيْنَهُمَا) أي بين الصفا والمروة (لِلَّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ) أي لكونه من عمل الجاهلية، فخافوا أن يُنهى عنه في الإسلام، فسألوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عنه (قَالَتْ: فَأَنْزَلَ اللهُ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} أي من معالم دينه، ومواضع عباداته، قال الأزهريّ: الشعائر: المعالم التي ندب الله إليها، وأمر بالقيام عليها.