للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في حكم السعي بين الصفا والمروة:

(اعلم): أنهم اختلفوا في هذه المسألة على مذاهب:

(المذهب الأول): أنه ركن في الحجّ، لا يصحّ إلا به، وكذلك في العمرة، وهذا مذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد في المشهور عنه، وحكاه النوويّ عن جماهير العلماء، من الصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، ورواه ابن أبي شيبة في "مصنّفه" عن عائشة -رضي الله عنها-، وعن مجاهد، وإبراهيم النخعيّ أنهما قالا: إذا نسي الطواف بين الصفا والمروة، وهو حاجّ، فعليه الحجّ، فإن كان معتمرًا، فعليه العمرة، ولا يجزيه إلا الطواف بينهما، وحكاه ابن المنذر عن إسحاق ابن راهويه، وأبي ثور، وبه قال ابن حزم.

واستَدَلَّ هؤلاء على الوجوب بأمور: (أحدها): ما رواه الشافعيّ، وأحمد في "مسنده"، والدارقطنيّ، والبيهقيّ، وغيرهم من رواية صفيّة بنت شيبة، قالت: أخبرتني ابنة أبي تِجْرَاة (١)، أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد استقبل الناس في المسعى، وقال: "يا أيها الناس، اسعَوْا، فإن السعي قد كُتب عليكم" (٢).


(١) بكسر المثنّاة، وسكون الجيم، بعدها راء، ثم ألف ساكنة، ثم هاء، وهي حبيبة بنت تِجْراة، وهي إحدى نساء بني عبد الدار، قاله في "الفتح" ٤/ ٥٧٧.
(٢) ونصّه في "المسند" ٦/ ٤٢١: حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا يونس، قال: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عمر بن عبد الرحمن، قال: ثنا عطاء، عن حبيبة بنت أبي تِجْراة، قالت: دخلنا على دار أبي حسين في نسوة من قريش والنبيّ -صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة، قالت: وهو يسعى، يدور به إزاره من شدّة السعي، وهو يقول لأصحابه: "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي".
حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا سُريج، قال: ثنا عبد الله بن المؤمل، عن عطاء بن أبي رباح، عن صفية بنت شيبة، عن حبيبة بنت أبي تِجْراة، قالت: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يطوف بين الصفا والمروة، والناس بين يديه، وهو وراءهم، وهو يسعى، حتى أرى ركبتيه من شدة السعي، يدور به إزاره، وهو يقول: "اسعوا، فإن الله كتب عليكم السعي". انتهى.