للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقال: فلا جناح عليه أن لا يتطوّف بهما، قاله السنديّ رحمهُ اللهُ في "شرح النسائيّ" (١).

وقال السيوطيّ رحمهُ اللهُ في "شرح النسائيّ": هذا من بديع فقهها؛ لأن ظاهر الآية رفع الجناح عن الطائف بالصفا والمروة، وليس هو بنصّ في سقوط الوجوب، فأخبرته أن ذلك مُحْتَمِلٌ، ولو كان نصًّا في ذلك لقال: فلا جناح عليه أن لا يطوف؛ لأن هذا يتضمّن سقوط الإثم عمن ترك الطواف، ثم أخبرته أن ذلك إنما كان؛ لأن الأنصار تحرّجوا بذلك الموضع في الإسلام، فأخبروا أن لا حرج عليهم. انتهى (٢).

وقولها: (فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ أَنْ يَطَّوَّفُوا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ) قال في "الفتح": ظاهره أنهم كانوا في الجاهلية لا يطوفون بين الصفا والمروة، ويقتصرون على الطواف بمناة، فسألوا عن حكم الإسلام في ذلك، ويصرّح بذلك رواية سفيان التالية بلفظ: "وإنما كان من أهلّ بمناة الطاغية التي بالمشلّل لا يطوفون بين الصفا والمروة"، وفي رواية معمر، عن الزهريّ: "إنا كنا لا نطوف بين الصفا والمروة تعظيمًا لمناة"، أخرجه البخاريّ تعليقًا، ووصله أحمد وغيره، وفي رواية يونس، عن الزهريّ الآتية عند مسلم بعد حديثين: "أن الأنصار كانوا قبل أن يسلموا هم وغسّان يُهلّون لمناة، فتحرّجوا أن يطوفوا بين الصفا والمروة، وكان ذلك سنّة في آبائهم، من أحرم لمناة لم يطف بين الصفا والمروة"، فطُرق الزهريّ متّفقة.

وقد اختُلِف فيه على هشام بن عروة، عن أبيه، فرواه مالك عنه بنحو رواية شعيب عن الزهريّ، ورواه أبو أسامة عنه بلفظ: "إنما أنزل الله هذا في أناس من الأنصار كانوا إذا أهلّوا لمناة في الجاهلية، فلا يحلّ لهم أن يطوفوا بين الصفا والمروة"، أخرجه مسلم -يعني هذه الرواية-.

وظاهره يوافق رواية الزهريّ، وبذلك جزم محمد بن إسحاق فيما رواه الفاكهيّ من طريق عثمان بن وَسّاج، عنه: "أن عمرو بن لُحيّ نَصَب مناةَ على


(١) "شرح السنديّ على النسائيّ" ٥/ ٢٣٨.
(٢) "زهر الربى في شرح المجتبى" ٥/ ٢٣٨، ٢٣٩.