للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ساحل البحر مما يلي قُديدًا، فكانت الأزد، وغسّان يحجّونها، ويعظّمونها، إذا طافوا بالبيت، وأفاضوا من عرفات، وفرغوا من منى أتوا مناة، فأهلّوا لها، فمن أهلّ لها لم يطف بين الصفا والمروة، قال: وكانت مناة للأوس، والخزرج، والأزد، من غسّان، ومن دان دينهم من أهل يثرب"، فهذا يوافق رواية الزهريّ.

قال: وأخرج مسلم من طريق أبي معاوية -يعني الرواية الماضية- عن هشام هذا الحديث، فخالف جميع ما تقدّم، ولفظه: "إنما كان ذلك؛ لأن الأنصار كانوا يُهلّون في الجاهليّة لصنمين على شطّ البحر، يقال لهما: إساف، ونائلة، فيطوفون بين الصفا والمروة، ثم يحلّون، فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية". فهذه الرواية تقتضي أن تحرّجهم إنما كان لئلا يفعلوا في الإسلام شيئًا كانوا يفعلونه في الجاهليّة؛ لأن الإسلام أبطل أفعال الجاهلية إلا ما أذن فيه الشارع، فخَشُوا أن يكون ذلك من أمر الجاهلية الذي أبطله الشارع، فهذه الرواية توجيهها ظاهر، بخلاف رواية أبي أسامة، فإنها تقتضي أن التحرّج عن الطواف بين الصفا والمروة؛ لكونهم كانوا لا يفعلونه في الجاهلية، ولا يلزم من تركهم فعل شيء في الجاهلية أن يتحرّجوا من فعله في الإسلام، ولولا الزيادة التي من طريق يونس، حيث قال: وكانت سنّة في آبائهم إلخ، لكان الجمع بين الروايتين ممكنًا بأن نقول: وقع في رواية الزهريّ حذفٌ تقديره: أنهم كانوا يُهلون في الجاهلية لمناة، ثم يطوفون بين الصفا والمروة، فكان من أهلّ أي بعد ذلك في الإسلام يتحرّج أن يطوف بين الصفا والمروة؛ لئلا يضاهي فعل الجاهليّة.

ويمكن أيضًا أن يكون في رواية أبي أسامة حذفٌ تقديره: كانوا إذا أهلّوا لمناة في الجاهلية، فجاء الإسلام، فظنّوا أنه أبطل ذلك، فلا يحلّ لهم.

ويبيّن ذلك رواية أبي معاوية المذكورة، حيث قال فيها: "فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهليّة"، إلا أنه وقع فيها وهَمٌ غير هذا، نبّه عليه عياض، فقال: قوله: "لصنمين على شطّ البحر" وَهَمٌ، فإنهما ما كانا قطّ على شطّ البحر، وإنما كانا على الصفا والمروة، إنما كانت مناة مما يلي جهة البحر. انتهى.