للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(الْمُوبِقَاتِ") بموحّدة، فقاف: أي المهلكات، جمع موبقة، من أوبقه: إذا أهلكه، قال في "القاموس": وَبَقَ كَوَعَدَ، وَوَجِلَ، وَوَرِثَ، وُبُوقًا، وَمَوْبِقًا: هَلَكَ، كاسْتَوْبَقَ، وكمَجْلِسٍ: الْمَهْلِكُ، والمَوْعِدُ، والْمَحْبِس، ووَادٍ في جَهنَّمَ، وكلُّ شيءٍ حال بين شيئين، وأوبقه: حبَسَهُ، وأهلكه. انتهى.

وقال القرطبيّ رحمه الله تعالى: "الموبقات": الْمُهلكات، جمع موبقة، من أوبق، ووابقه: اسم فاعل من وَبَقَ يَبِقُ وُبُوقًا: إذا هَلَكَ، والْمَوْبِقُ مَفْعِلٌ منه، كالموعد، مَفْعِلٌ من الوعد، ومنه قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا} [الكهف: ٥٢]، وفيه لغة ثانيةٌ: وَبِقَ بكسر الباء يَوْبَقُ بالفتح وَبَقًا، وفيه لغة ثالثةٌ: وَبِقَ يَبِقُ بالكسر فيهما، وأوبقه: أهلكه، وسُمّيت هذه الكبائر مُوبقات؛ لأنها تُهلك فاعلها في الدنيا بما يترتّب عليها من العقوبات، وفي الآخرة من العذاب، ولا شكّ في أن الكبائر أكثر من هذه السبع بدليل الأحاديث المذكورة في هذا الباب، وفي غيره، ولذلك قال ابن عبّاس - رضي الله عنهما - حين سُئل عن الكبائر، فقال: "هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع وفي رواية عنه: "هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع"، وعلى هذا، فاقتصاره - صلى الله عليه وسلم - على هذه السبع في هذا الحديث يَحْتَمِل أن يكون لأنها هي التي أُعلم بها في ذلك الوقت بالوحي، ثم بعد ذلك أُعلم بغيرها، وَيحتمل أن يكون ذلك لأن تلك السبع هي التي دعت الحاجة إليها في ذلك الوقت، أو التي سُئل عنها في ذلك الوقت، وكذلك القول في كلّ حديث خَصَّ عددًا من الكبائر، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (١).

(قِيلَ: يَا رَسُولَ الله، وَمَا هُنَّ؟) أي السبع المهلكات؟ (قَالَ) - صلى الله عليه وسلم - ("الشِّرْكُ بِاللهِ) خبر لمحذوف دلّ عليه السؤال: أي هي: الشرك بالله تعالى، ويجوز نصبه بدلًا من "السبع"، أو على أنه مفعول لفعل مقدّر: أي أعني، ونحوه، وهكذا إعراب ما بعده.

وكون الشرك من الكبائر، بل هو أكبرها على الإطلاق، صريح النصّ القرآني، حيث قال سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ


(١) "المفهم" ١/ ٢٨٣.