للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

حاجته، فجعلت أصب عليه، ويتوضأ، فقلت: يا رسول الله أتصلي؟ قال: "المصلى أمامك"، وذكر باقي الحديث.

ثم قال: فإذ قد قصد - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ترك صلاة المغرب، وأخبر بأن المصلَّى من أمام، وأن الصلاة من أمام، فالمصلَّى هو موضع الصلاة، فقد أخبر بأن موضع الصلاة، ووقت الصلاة من أمام، فصح يقينًا أن ما قبل ذلك الوقت، وما قبل ذلك المكان، ليس مصلًّى، ولا الصلاة فيه صلاة. انتهى كلام ابن حزم - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا.

والحاصل أن صلاة المغرب في تلك الليلة لا تجوز إلا في المزدلفة مجموعة مع العشاء، كما بيّن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذلك قولًا وفعلًا، فمن صلّاها قبل ذلك، لزمه إعادتها فيها، فتبصّر، والله تعالى أعلم بالصواب.

قال في "العمدة": [فإن قلت]: "الصلاة أمامك" قضية حَمْليّةٌ، فكيف يصحّ هذا الحمل؟ لأن الصلاة ليست بأمام.

[قلت]: المضاف فيه محذوف، تقديره: وقت الصلاة أمامك؛ إذ نفسها لا توجد قبل إيجادها، وعند إيجادها لا تكون أمامه، وقيل: معناه: المصلَّى أمامك، أي مكان الصلاة، فيكون من قبيل ذكر الحالّ، وإرادة المحلّ، وهو أعمّ من أن يكون مكانًا، أو زمانًا. انتهى (٢).

(فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَصَلَّى) أي لم يبدأ بشيء قبل الصلاة، ووقع في رواية إبراهيم بن عقبة الآتية بعد باب: "ثم سار، حتى بلغ جَمْعًا، فصلى المغرب والعشاء"، وقد بيّنه في رواية مالك الآتية هناك أيضًا بلفظ: "فركب، فلما جاء المزدلفة، نزل، فتوضأ، فأسبغ الوضوء، ثم أقيمت الصلاة، فصلى المغرب، ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله، ثم أقيمت العشاء، فصلّاها، ولم يصلّ بينهما شيئًا"، وبيّن في رواية إبراهيم بن عقبة، عن كريب: أنهم لم يزيدوا بين الصلاتين على الإناخة، ولفظه: "فركب حتى جئنا المزدلفة، فأقام المغرب، ثم أناخ الناس في منازلهم، ولم يَحُلُّوا حتى أقام العشاء الآخرةَ، فصلّوا، ثم حَلُّوا"، وكأنهم صنعوا ذلك رِفْقًا بالدوابّ، أو


(١) "المحلّى" ٧/ ١٢٩.
(٢) "عمدة القاري" ٢/ ٢٦٠.