في "الصحيحين"، وغيرهما عن هشام بن عروة عن أبيه قال:"سُئِلَ أسامةُ، وأنا جالس: كيف كان رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع حين دفع؟ قال: كان يسير العَنَقَ فإذا وجد فَجْوة نَصَّ"، لفظ البخاري، وزاد في رواية:"قال هشام: والنصّ فوق العنق".
المشهور أن العنق سيرٌ فِيهِ إسراع، وقد يَرِدُ على ذلك أن في روايةٍ في "صحيح مسلم" عن أسامة: "فما زال يسير على هيئته"، ويُرْوَى:"على هينته، حتى أتى جَمْعًا"، وفي روايةٍ في "المسند" سندُها صحيح: "فَجَعَلَ يَكْبَح راحلته حتى إن ذِفْرَيها لتكاد تصيب قادمة الرحل، وهو يقول: يا أيها الناس عليكم بالسكينة والوقار، فإن البِرَّ ليس في إيضاع الإبل"، وفي أخرى سندها حسن:"فكان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا الْتَحَم عليه الناس أعنق، وإذا وجد فرجة نص"، وفي "الْمُسْنَد"، و"صحيح مسلم" في حديث جابر: "وقد شَنَقَ للقصواء الزمامَ حتى إِنّ رأسها ليُصِيب مَوْرك رحله، ويقول: أيها الناس السكينة السكينة؛ كلما أتى حَبْلًا من الحبال أرخى لها حتى تصعد … "، وفي معنى ذلك أخبار أُخْرى.
فأيُّ إسراعٍ يكون لناقةٍ مُنَوَّقة مشنوق لها الزمام أشدَّ الشنق، ملتحم عليها المشاة والركبان؟.
وقد يُجاب بأنّ العَنَقَ في الأصل هو كما في "الفائق": الخطو الفسيح، فالسرعة فيه من جهة سعة الخطو، لا من جهة سرعة تتابعه، والإبل بطبيعة حالها واسعة الْخَطو.
وفي فقه اللغة للثعالبي: "فصل في ترتيب سَيْر الإِبل، عن النَّضْر بن شُميل: أوَّل سير الإبل الدبيب، ثم التزيد، ثم الذَّمِيل، ثم الرسيم … ، فصل
(١) هذه الرسالة نُسخت من مخطوطات مكتبة الحرم برقم: (٤٧٠٤).