في مثل ذلك عن الأصمعيّ: العنق من السير المُسْبَطِرّ، فإذا ارتفع عنه قليلًا فهو التزيد، فإذا ارتفع عن ذلك فهو الذَّمِيل، فإذا ارتفع عن ذلك فهو الرسيم"، وقضيّة هذا أنّ أول سير الإبل يسمّى عَنَقًا، وبعدُ فقد عُرف بالوصف حقيقة سير ناقته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند الازدحام.
فأما النصّ فهو كما قال هشام: فوق ذلك، كأنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا وجد فَجْوةً أي: خُلُوًّا عن المزاحمين أَرْخَى الزمام فتسرع قليلًا بِطبيعة حالها، ولم يُعَيّن الصحابة مواضع تلك الفَجَوات؛ لأنّه لا دخل لخصوص المكان فيها، وإنما المدار على الخلوّ من المزاحمين، كما مرّ.
وقد عُلم مِمَا مرَّ أنَّ (١) عرفة إلى مزدلفة لم يُسرع النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوق العادة، وأنّه ليس بينهما مكان يشرع فيه الإِبطاء، أوِ الإسراع المعتاد، وإنما المدار على الزّحام وعدمه.
فأما من مزدلفة إلى جمرة العقبة ففي "المسند" بسند صحيح عن أسامة: "لما دفع من عرفة … كَفَّ رأس راحلته حتى أصاب رأسها واسطة الرحل، أو كاد يصيبه، يُشِير إلى الناس بيده: السكينة السكينة حتى أتى جَمْعًا، ثم أردف الفضل بن عباس … فقال الفضل: لم يَزَلْ يسير سَيْرًا لينًا كسَيْره بالأمس، حتى أتى على وادي محسِّر، فدفع فِيهِ حتى اسْتوت به الأرضُ".
وفي حديث جابر -رضي الله عنه- في "المسند" و"صحيح مسلم" وغيرهما: "حتى أَتَى بَطْنَ مُحَسّر، فحَرَّك قليلًا، وفي "سنن النَّسَائيّ" من حديث أبي الزبير، عن جابر:"أفاض رسول اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وعليه السكينة، وأمرهم بالسكينة، وأَوْضَعَ في وادي محسّر … "، وهو في "المسند"، وبقية "السنن"، قال الترمذيّ: حسن صحيح، وفي بعض رواياته في "المسند"، و"سنن ابن ماجة": "وقال: لتأخذْ أمّتِي نسكها، فإِنّي لا أدري لعلّي لا ألقاهم بعد عامِي هذا".
وفي "الْمُسْنَد"، و"سنن الترمذي"، من حديث عليّ:" … ثم أفاض حتى انْتهى إلى وادِي محسّر، فقَرَع ناقته، فخَبَّتْ حتى جاوز الوادِي"، لفظ التّرمذيّ، وقال:"حسن صحيح".
(١) ها هنا: بعد"أن" كلمةٌ غير واضحة، والظاهر أنَّها "مِنْ".