للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في هذه الأحاديث أَنّ النّبِيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَصَّ وادي محسّر دونَ ما قبله وما بعده بأن قرع ناقته فيه لتسرع فوق العادة، ولم يكن لذلك سبب طبيعيّ، ففهم الصحابة -رضي الله عنهم- أن ذلك لأمرٍ شرعيّ، وأنّ مثل ذلك الإسراع مشروع في ذلك المكان، ولذلك نصّوا عليه وفاءً بما أُمروا به من التبليغ، وعَمِلوا به بعد النّبِي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. جاء ذلك عن عمر، وابن عمر، وأخذت به الأمة، فهو سنة ثابتة.

قال المعلّمي -رَحِمَهُ اللهُ-: وهل يُشرع مِثْلُ ذلك الإسراع عند المرور بمحسّر (١) في الطلوع إلى عَرَفَة، وعند المرور به في غير الحَجّ؟ لم أجد دليلًا خاصًّا على ذلك، وقد يُستدلّ على عَدَمِه بأنه لم يُنْقَلْ أنّه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسرع فيه عند طلوعه إلى عَرَفَةَ.

وقد يُدْفَعُ هذا باحتمال أنه عند الطلوع لم يكن قد أُمر بالإسراع فتركه؛ لأنه لم يكن مشروعًا حينَئذ (٢)، أَوْ لعله أسرع، ولم يُنْقَلْ ذلك؛ لأنّهم لم يعتَنُوا ببيان سيره في طلوعه، كما اعتَنَوا ببيان سيره في نزوله، واكتفاءً بدلالة إسراعه به في نزوله على أنَّ الإسراع فيه مشروع مطلقًا، فما هذه الدلالة؟ مدارها على المعنى الذي لأجله شُرع الإسراع، وفي ذلك أقوال:

[الأوَّل]: أن ذلك الوادي مأوى للشياطين؛ وكأنّ هذا مأخوذ من قصة الوادي الذي نام فيه النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه عَنْ صلاة الصبح، فلما استيقظوا، وقد طلعت الشمس أمرهم بالخروج منه، وعلَّلَ ذلك بأنّ فيه شيطانًا، فاقْتَادُوا رواحِلَهُم حتى خرجوا منه، فصلّى بهم، ويَرُدّ هذا أنَّ الخروجَ إنّما كان لمصلحة الصلاة، لا لِكَرَاهِيَة الكون في الوادِي (٣)، فقد باتُوا فيه وناموا، وأيضًا فلم يُسْرِعْ ولا أمرهم بالإسراع في خروجهم.


(١) هذه الكلمة غير واضحة في الأصل تمام الوضوح، والسياق يقطع بأنها (محسّر).
(٢) قال الجامع: هذا الاحتمال هو الأقرب عندي، وأما الذي بعده، فبُعده مما لا يخفى على الفطن، فتأمل.
(٣) قال الجامع: بل الظاهر أن خروجهم لكراهة إقامتهم بالوادي، فإنه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علّله بقوله: "ليأخذ كلّ رجل برأس راحلته، فإن هذا منزل حضرنا الشيطان فيه" =