للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الاستثناء الاتّصال، فيكون محسّرٌ داخِلًا في مزدلفة في الاسم، خارجًا عنها في الحكم، فعلى هذا لا يكون من منى في الاسم أيضًا.

فإن قيل: قضِيَّةُ هذا أن تكونَ عرنَةُ داخلةً في اسم عَرَفَةَ، وإن خرجت عنها في الحكم. قلت: لا مانع من هذا، بل يَشْهَدُ له ما ذكره صاحبُ "الْقِرَى" وغيرُهُ بعد ذكر تحديد ابن عباس لعرفة، أنّه يدخل فيها عُرَنَةُ، ويوافِقُهُ حديثُ ابن عمر في "المسند"، و"سنن أبي داود": "غَدَا رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- … حتى أَتَى عَرَفَةَ، فنزل بنَمِرة، وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفَةَ … "، ونَمِرَة من عُرنة.

وأما الثاني: فيدلّ عليه ما في "المسند"، و"صحيح مسلم"، و"سنَن النسائيّ" من حديث الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي مَعْبَد مولى ابن عبّاس، عن ابن عبّاس، عن أخِيهِ الفَضْل، وكان رديفَ رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنّه قال في عَشِيّةِ عَرَفَة، وغداة جَمْعٍ للناس حين دَفَعُوا: "عليكم بالسكينة"، وهو كافٌّ ناقته حتى دخل محسّرًا -وهو من منى- قال: "عليكم بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة"، وقال: لم يزل رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُلَبِّي حتى رمى الْجَمْرَة، لفظ مسلم.

وفي "المسنَد"، و"سنن النسائيّ": "حتى إذا دخل"، ثم ساقَهُ مسلم من طريق ابن جُرَيج، عن أبي الزبير، ولم يَسُق المتن، وقد ساقَه الإمامُ أحمدُ في "المسند"، وفيه: "حتى إذا دخل منى حين هَبَطَ محسِّرًا قال: عليكم بحصى الخذف … "، ولم يكن مقصود الفضل إِلا الإخبار بما كان مِنَ النبيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مَسِيرِهِ من المزدلفة إلى جَمْرَة العَقَبَة، بدون نَظَر إلى حكم البيتوتة، فغايَةُ ما يُؤْخَذُ من خبره أن محسرًا من منى في الاسم، ومسلم أخرج هذا الحديثَ في "صحيحه" في أحاديث اسْتدامة التلبِيَة إلى رَمْي جمرة العَقَبة، ولم يخرجه في الموضع الذي يتعلَّقُ بحكم البيتوتة، وبين الموضعَين أربعة عشَر بابًا في تَبْويب النوويّ.

ولم أجِدْ هذا الخبر عن أبي معبد إلا من رواية أبي الزبير، وقد رواه جماعةٌ غير أبي مَعْبد، عن ابن عباس، ورَوَاه جماعة غير ابن عَبَّاس، عنِ الفَضْل، ولم أرَ (١) في شيءٍ من رواياتهم هذه الكلمة، أو معناها أن محسرًا من


(١) قائل "ولم أر إلخ" هو المعلميّ -رَحِمَهُ اللهُ-.