للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ووَجِيهٌ أن يُكْرَهَ الكونُ بمنازل غَضَب اللهِ فوق ما لا بُدَّ منه منَ الْمُرُور السريع، كما يستَحَبّ الكون واللبث بمنازلَ بركة اللهِ، كمكَّةَ، والمدينة، ولا يَخدِش (١) في هذا الوَجْهِ الوَجِيه أن نَجْهَلَ ما هو العَذَابُ الذي نزل بمحسِّر، فإن ما ذكروه مِنْ أَنّه عذابُ أصحاب الفيل، وأَنَّ الفِيلَ حُبِسَ هناك، مُتَعَقَّب بأنّ المعروفَ في الأخبار، والأشْعَار، والآثار أَنّ ذلك كان بالْمُغَمَّس (٢).

وأنّ الفيل حُبِسَ دون الْحَرَم، ولكن لا مانع أن تكونَ طليعة من أصحاب الفيل تَقَدَّمت الفِيلَ والجيش، فبلغت محسِّرًا؛ وقيل: إنّ العذابَ هو أن رجلًا اصطاد فيه، فنزلت نارٌ فَأَحرقته.

وقد عَلِمْتَ أنّ وَجَاهَةَ القول الرابع لا يخدِش فيها الْجَهْلُ بتعيين العذاب.

وإذا كان ذاك المعنى هو المتجه، فلا ريب أنَّ اقتضاءَه للإِسراع في محسّر كراهِيَةَ الكون به فوق ما لا بدَّ منه من المرور السريع، لا يختصّ بالحاجّ المفِيض من مزدلفَةَ، فيُلْحَق به غيرُه؛ استنباطًا، والله أعلم.

[فصل]: إذا ثَبَتَ أن محسّرًا يكره الكونُ به فوق ما لا بدَّ منه من المرور السريع، وَجَبَ أنْ لا يَكونَ من البُقْعة التي شُرِعَت فيها البيتوتة ليالِيَ التشريق، والكونُ بها بقيّة نهار الثامن، وليلة التاسع، ويوم النحر، وأيّام التشريق، وهي مني، فلا يكون محسّر من منى في الحكم، فأمّا في الاسم فقد جاء ما يدل على أنّه من مزدَلِفَةَ في الاسم، مع خروجه منها في الحكم، وجاء ما يدلّ على أنَه من منى في الاسم، وجاء ما يدل على أنه ليس من منى ولا مزدلفة.

فأما الأوّلُ: فأخْرج ابن جرير في "تفسيره" عن زيد بن أسلم، عنِ النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "عرفَةُ كلها موقفٌ إلا عُرَنَةَ، وجَمْع كلها موقف إلا محسِّرًا"، وأخرج عن ابنِ الزبير: "كل مُزْدلفة موقف، إلا وادي محسّر"، وعن عروة بن الزبير مثله.

وخبر عبد الله بن الزبير في "الموطَّأِ"، عن هشام بن عروة عنه، والأصل


(١) من باب ضرب.
(٢) بعد كلمة (المغمس) كلمة غير واضحة أظنها -والله أعلم- "حذاء عرفة". انتهى. الكاتب.