الحِلّ، فهو غيرُ مزدلفة"، ولا ريبَ أَنّ منى عنده من الْحَرَم، فهي غيرُ محسر الذي هو عندَه من الحل، وقد أَغْرَبَ في زعمه أن بَطْنَ عرنَةَ من الْحَرَم، وأغْرَبُ من ذلك زَعْمُهُ أَنّ محَسِّرًا من الحلّ، احْتَجّ ابن حزمٍ باختلاف المكانَين في أنّ هذا من الحلّ، وهذا من الحَرَم، على تَغَايُرهما واختلاف (١)، وَإِنّها لَحُجَّةٌ لو صح ذاك الاختلاف.
وقال شيخُ الإسلام ابنُ تَيْمِيَّةَ في "مناسكه": "ومزدلفَةُ كلها يُقَالُ لها الْمَشْعَر الحرام، وهي ما بين مَأْزِمَي عَرَفة إلى بطن محسّر، فإِنّ بين كلِّ مَشْعَرَين حدًّا ليس منهما، فإنّ بين عَرَفَةَ ومزْدلفَةَ بطنَ عُرَنَةَ، وبين مزدلفَةَ ومنى بَطْن محسِّر"، كأنّه نظر إلى عبارة ابن حَزمٍ، وأعرض عمّا فيها من الخطأِ.
وقد أوضَحَ ابن القيّم ذلك فقال في "الْهَدْي": "ومُحَسِّر بَرْزَخٌ بين منى وبين مزدلفَةَ، لا من هذه ولا من هذه، وعُرَنَةُ برزخٌ بين عَرَفَةَ والمشعر الحرام، فبين كلّ مَشْعَرَين برزخ ليس منهما، فَمِنى من الحَرَم، وهي مَشْعَر، ومُحَسِّر من الحرم، وليس بمشعر، ومزدلفة حرم ومشعر، وعُرَنَةُ ليست مَشْعَرًا، وهي من الحِلّ، وعَرَفَةُ حلٌّ ومَشْعر، ولا ريب أن الشيخَيْن كانا عَارِفَيْن بحديث أبي الزُّبير، عن أبي مَعْبد، ومع ذلك قَطَعَا بأنَّ محسِّرًا ليس من مني، وفي هذا سَنَدٌ قَوِيٌّ لما تقدّم من الكلام فيه، والله أعلم.
آخر الرسالة والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد الشيخ المعلّميّ -رحمَهُ اللهَ- في هذا البحث، وأفاد، فجزاه الله عن خدمة السنّة خير الجزاء، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رَحِمَهُ اللهُ- المذكور أولَ الكتاب قال:[٣٠٩١]( … ) وَحَدَّثَنِيهِ زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَن ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْحَدِيثِ: وَلَمْ
(١) هنا كلمة لم أتبيّنها وتكاد تكون (حكمهما) والله أعلم. انتهى. الكاتب.