للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكريمة في ذلك إنما وردت في أهل بدر خاصّةً، والصواب ما قاله الجماهير: إنه باقٍ. انتهى (١).

وقال أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (١٥)} [الأنفال: ١٥] ما نصّه: أمر الله عز وجل في هذه الآية أن لا يولي المؤمنون أمام الكفار، وهذا الأمر مُقَيَّد بالشريطة المنصوصة في مثلي المؤمنين، فإذا لقيت فئةٌ من المؤمنين فئةً هي ضعف المؤمنين من المشركين، فالفرض ألا يفروا أمامهم، فمن فَرَّ من اثنين فهو فارّ من الزحف، ومن فَرَّ من ثلاثة، فليس بفارّ من الزحف، ولا يتوجه عليه الوعيد، والفرار كبيرةٌ مُوبقة بظاهر القرآن، وإجماع الأكثر من الأئمة.

وقالت فرقة، منهم ابن الماجشون في "الواضحة": إنه يُراعَى الضعفُ والقوةُ والعُدَّةُ، فيجوز على قولهم أن يفر مائة فارس من مائة فارس، إذا عَلِموا أن ما عند المشركين من النجَّدْةِ والبَسَالة ضِعْفُ ما عندهم، وأما على قول الجمهور، فلا يحل فرار مائة إلا مما زاد على المائتين، فمهما كان في مقابلة مسلم أكثر من اثنين، فيجوز الانهزام، والصبر أحسن، وقد وَقَفَ جيش مُؤتة، وهم ثلاثة آلاف في مقابلة مائتي ألف، منهم مائة ألف من الروم، ومائة ألف من الْمُسْتَعْرِبة من لَخْمٍ وجُذَام.

قال: ووقع في تاريخ فتح الأندلس أن طارقًا مولى موسى بن نُصَير سار في ألف وسبعمائة رجل إلى الأندلس، وذلك في رجب سنة ثلاث وتسعين من الهجرة، فالتقى وملك الأندلس لذريق، وكان في سبعين ألف عِنَان، فزَحَفَ إليه طارق، وصَبَر له، فهزم الله الطاغية لذريق، وكان الفتح.

قال ابن وهب: سمعت مالكًا يسأل عن القوم يلقون العدوّ، أو يكونون في مَحْرَس يَحْرُسون، فيأتيهم العدوّ، وهم يسير، أيقاتلون، أو ينصرفون فيُؤذنون أصحابهم؟ قال: إن كانوا يقوون على قتالهم قاتلوهم، وإلا انصرفوا إلى أصحابهم فآذنوهم. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى (٢).


(١) "شرح مسلم" ٢/ ٨٨.
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٧/ ٣٨٠ - ٣٨١.