للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الشرعيّ. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: إرادة اللغويّ هنا ضعيف جدًّا، يردّه سياق الحديث برواياته المختلفة، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقوله: (ثم أقيمت الصلاة، فصلَّى المغرب، ثم أقيمت العشاء) قال القرطبيّ رحمه الله: فيه دليل على جواز الاقتصار على الإقامة في الجمع من غير أذان، وقد تقدم الخلاف في ذلك في الجمع بين الصلاتين في حديث جابر -رضي الله عنه-، وأنه ذكر فيه الأذان للأولى، ويَحْتَمِل قوله: "أقيمت" -ها هنا-: شُرِع فيها، ففُعِلت بأحكامها، كما يقال: أقيمت السُّوق، إذا حُرِّك فيها ما يَليق بها من البيع والشراء، ولم يقصدِ الإخبار عن الإقامة، بل عن الشروع. انتهى (٢).

وقال النوويّ رحمه الله: هذه الرواية تدلّ على أنه صلاهما بالإقامة لكلّ واحدة منهما دون الأذان، وفي رواية ابن عمر -رضي الله عنهما- في آخر الباب أنه صلاهما بإقامة واحدة، وقد سبق في حديث جابر -رضي الله عنه- الطويل في صفة حجة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين، قال: وهذه الرواية مقدمة على الروايتين الأوليين؛ لأن مع جابر -رضي الله عنه- زيادة علم، وزيادة الثقة مقبولة، ولأن جابرًا -رضي الله عنه- اعتنى بالحديث، ونقل حَجة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مستقصاةً، فهو أولى بالاعتماد، وهذا هو الصحيح من مذهبنا أنه يستحب الأذان للأولى منهما، ويقيم لكل واحدة إقامةً، فيصليهما بأذان وإقامتين، ويتأول حديث إقامة واحدة أن كل صلاة لها إقامة، ولا بدّ من هذا ليجمع بينه وبين الرواية الأولى، وبينه أيضًا وبين رواية جابر -رضي الله عنه-، وقد سبق إيضاح المسألة في حديث جابر -رضي الله عنه-. انتهى كلام النوويّ رحمه الله (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: سيأتي تمام البحث في المسألة عند شرح حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- آخر الباب -إن شاء الله تعالى-.

وقوله: (ثُمَّ أُقِيمَت الصَّلَاةُ، فَصَلَّى الْمَغْرِبَ، ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إِنْسَانٍ بَعِيرَهُ فِي مَنْزِلِهِ، ثُمَّ أُقِيمَت الْعِشَاءُ، فَصَلَّاهَا) قال النوويّ رحمه الله: فيه دليل على استحباب


(١) "المفهم" ٣/ ٣٩٠.
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٩٠.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ٣١.