للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

دون جَمْع أعاد، وكذا قال أبو حنيفة: إن صلاهما قبل المزدلفة فعليه الإعادة، وسواء صلاهما قبل مغيب الشفق، أو بعده، فعليه أن يعيدهما إذا أتى المزدلفة، وقال مالك: لا يصليهما أحد قبل جَمْع، إلا من عذر، ولم يجمع بينهما حتى يغيب الشفق. وذهب الشافعيّ إلى أن هذا هو الأفضل، وأنه إن جَمَع بينهما في وقت المغرب، أو في وقت العشاء بأرض عرفات، أو غيرها، أو صلّى كلّ صلاة في وقتها جاز ذلك، وبه قال الأوزاعيّ، وإسحاق ابن راهويه، وأبو ثور، وأبو يوسف، وأشهب، وحكاه النوويّ عن أصحاب الحديث، وبه قال عطاء، من التابعين، وعروة، وسالم، والقاسم، وسعيد بن جبير، ذكره في "العمدة" (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي قول من قال: لا يجمع قبل المزدلفة، فإن جمع أعاد، ولا بدّ؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما- حين سأله عن الصلاة في الطريق: "الصلاة أمامك"، وفي لفظ: "المصلّى أمامك"، فبيّن أن محلّ الصلاتين، ووقتهما عند الوصول إلى المزدلفة، لا قبل ذلك.

قال الإمام ابن عبد البرّ رحمه الله بعد ذكر ما سبق من الاختلافات ما نصّه: قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "الصلاة أمامك" يدلّ على أنه لا يجوز لأحد أن يصليهما إلا هناك، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "خُذُوا عني مناسككم"، ولم يصلهما إلا بالمزدلفة، فإن كان له عذر فعسى الله أن يعذره، وأما من لا عذر له فواجب أن لا تجزئه صلاته قبل ذلك الموضع على ظاهر هذا الحديث. انتهى، وهو تحقيقٌ حسنٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج رحمه الله المذكور أولَ الكتاب قال: [٣١٠١] ( … ) - (وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُسَامَةَ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ إِلَى بَعْضِ تِلْكَ


(١) "عمدة القاري" ٨/ ١٧٢.