للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الظهر والعصر بعرفة، وكذلك من صلّى مع الإمام. قال: فأما قصر الصلاة، فلا يجوز لأهل مكّة، وبهذا قال عطاء، ومجاهد، والزهريّ، وابن جريج، والثوريّ، ويحيى القطّان، والشافعيّ، وأصحاب الرأي، وابن المنذر.

وقال القاسم بن محمد، وسالم، ومالك، والأوزاعيّ: لهم القصر؛ لأن لهم الجمع، فكان لهم القصر كغيرهم. انتهى كلام ابن قُدامة رحمه الله باختصار.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن ما ذهب إليه القائلون بمشروعيّة الجمع والقصر في عرفة، والمزدلفة، وكذا القصر في أيام منى لكلّ من أحرم بالحجّ، سواء كان مسافرًا، أم غير مسافر هو الحقّ؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- جمع وقصر بمن معه من الحجاج، ولم يأمر أهل مكة، ولا غيرهم بالإتمام، فدلّ على أن ذلك للنسك.

وأما احتجاج بعضهم بما أخرجه الترمذيّ في "جامعه" من حديث عمران بن حُصين -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يصلّي بمكة ركعتين، ويقول: "يا أهل مكة أَتِمُّوا، فإنا قوم سَفْرٌ"، قال: وكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى استغناءً بما تقدّم بمكة.

فمتعقّبٌ بأن الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية عليّ بن زيد بن جُدْعان، وهو ضعيف، ولو صحّ فالقصّة كانت زمن الفتح، وقصّة منى في حجة الوداع، وكان لا بدّ من بيان ذلك؛ لبُعد العهد، ولكثرة من حضر في الحجّ ممن لم يحضر الفتح، فتأمّل بالإنصاف.

والحاصل أن الحقّ قول من قال: إن الجمع والقصر للنسك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): في اختلاف أهل العلم في حكم صلاة المغرب قبل المزدلفة:

قال الترمذيّ رحمه الله -بعد ذكر الحديث- ما نصّه: والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم، أنه لا يصلي المغرب دون جمع، قال الحافظ العراقيّ رحمه الله: كأنه أراد العمل عليه مشروعيّةً، واستحبابًا، لا تحتمًا، ولا لزومًا، فإنهم لم يتّفقوا على ذلك، بل اختلفوا فيه، فقال سفيان الثوريّ: لا يصليهما حتى يأتي جَمْعًا، وله السعة في ذلك إلى نصف الليل، فإن صلاهما