وأيضًا فالحصر فيه ليس على ظاهره؛ لإجماعهم على مشروعية الجمع بين الظهر والعصر بعرفة، وكذا في الفتح.
وقال النوويّ: قد يحتجّ أصحاب أبي حنيفة بهذا الحديث على منع الجمع بين الصلاتين في السفر؛ لأن ابن مسعود -رضي الله عنه- من ملازمي النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقد أخبر أنه ما رآه يجمع إلا في هذه الليلة، ومذهب الجمهور جواز الجمع في جميع الأسفار المباحة التي يجوز فيها القصر. والجواب عن هذا الحديث أنه مفهوم، وهم لا يقولون به، ونحن نقول بالمفهوم ولكن إذا عارضه منطوق قدمناه على المفهوم، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة بجواز الجمع، ثم هو متروك الظاهر بالإجماع في صلاتي الظهر والعصر بعرفات. انتهى.
وقال السنديّ في "حاشية البخاريّ"(١/ ٢٠١): قد استَدَلّ به من ينفي جمع السفر كعلمائنا الحنفية، وردّه النوويّ بأنه مفهوم، وهم لا يقولون به، ونحن نقول به إذا لم يعارضه منطوق، كما هنا.
وتعقبه العينيّ، فقال: لا نسلّم أنهم لا يقولون بالمفهوم وإنما لا يقولون بالمفهوم المخالف. انتهى.
قال السنديّ: وهذا عجيب منهما، فإن استدلال الحنفية بصريح النفي الذي هو منطوق، لا بالإثبات الذي يدل عليه الاستثناء بالمفهوم، ولو كان بالإثبات من باب المفهوم المخالف بالاتفاق، فلم يكن لقول العينيّ وجه.
بَقِي أن الاستدلال به فرع تصور معناه، ومعناه ها هنا لا يخلو عن خفاء؛ إذ ظاهره يفيد أنه صلى الفجر قبل وقته، وهو مخالف للإجماع، وقد جاء خلافه في روايات حديث ابن مسعود أيضًا، وفي حديث جابر.
وأجيب بأن المراد أنه صلى قبل الوقت المعتاد بأن غَلَّس.
وردّ بأن هذا يقتضي أن يكون المعتاد الإسفار، وهو خلاف ما يفيده تتبع الأحاديث الصحاح الواردة في صلاة الفجر.
وأجيب بأن المراد التغليس الشديد.
والحاصل أنه صلى يومئذ أول ما طلع الفجر، والمعتاد أنه كان يصلي بعد ذلك بشيء، فيرد أنها صارت حينئذ لوقتها فكيف يصح عدّها لغير وقتها حتى تستثني من قوله:"ما رأيت" … إلخ.