للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأجيب بأن المراد بقوله: "لغير وقتها" المعتاد.

قلت (١): فيلزم من اعتبار العموم فيه أنه -صلى الله عليه وسلم- ما صلى صلاة في غير الوقت المعتاد أبدًا، لا بتقديم شيء، ولا بتأخيره، لا سفرًا ولا حضرًا، سوى هاتين الصلاتين، بل كان دائمًا يصلي في وقت واحد، وهذا خلاف ما يعرفه كل أحد بالبديهة، وخلاف ما يفيده تتبع الأحاديث، وخلاف ما أَوَّل به علماؤنا -يعني الحنفيّة- جمعَ السفر من الجمع فعلًا، فإنه لا يكون إلا بتأخير الصلاة الأولى إلى آخر الوقت، فلزم كونها في الوقت الغير المعتاد.

ثم هو مشكل بجمع عرفة أيضًا، وحينئذ فلا بد من القول بخصوص هذا الكلام بذلك السفر مثلًا.

ويبقى بعدُ جمع عرفة، فيقال: لعله ما حضر ذلك الجمع، فما رأى، فلا ينافي قوله: "ما رأيت"، أو يقال: لعله ما رأى صلاة خارجة عن الوقت المعتاد غير هاتين الصلاتين، فأخبر حسب ما رأى، ولا اعتراض عليه، ولا حجة للقائلين بنفي الجمع.

والأحسن منه ما يشير إليه كلام البعض، ثم ذكر السنديّ ما تقدم من كلامه، وتوجيهه في حاشيته على النسائيّ.

(وَصَلَّى الْفَجْرَ يَوْمَئِذٍ)؛ أي بمزدلفة (قَبْلَ مِيقَاتِهَا)؛ أي قبل وقتها المعتاد فعلُها فيه في الحضر، لا أنه أوقعها قبل طلوع الفجر، كما يتبادر من ظاهر اللفظ، ووقتها المعتاد أنه كان -صلى الله عليه وسلم- إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته، ثم خرج فصلى الصبح، وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين، والفجر نُصْب أعينهم، فبادر بالصلاة أوَّل ما بَزَغَ، حتى إن بعضهم كان لم يتبيّن له طلوعه.

قال النوويّ رحمه الله: المراد به قبل وقتها المعتاد، لا قبل طلوع الفجر؛ لأن ذلك ليس بجائز بإجماع المسلمين، والغرض أن استحباب الصلاة في أول الوقت في هذا اليوم أشدّ وآكد، ومعناه أنه -صلى الله عليه وسلم- كان في غير هذا اليوم يتأخر


(١) القائل: السنديّ رحمه الله.