قال الجامع عفا الله عنه: قول صاحب "الفتح": وقد ارتكب ابن حزم الشطط … إلخ عجيب منه، كيف يرتكب الشطط مَن ظاهر النصوص معه؟ وأعجب منه قوله: ولم يعتبر ابن قُدامة مخالفته … إلخ، فهل دعوى ابن قدامة الإجماع، ومن قبله الطحاويّ مسلّم عنده؟ وقد سبق له قوله: وذهب ابن بنت الشافعيّ، وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركنٌ لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة، والنخعيّ، فأين الإجماع المزعوم؟ هيهات هيهات.
وابن حزم رحمه الله لَمّا قال بهذه المسألة ذكر من سبقه من القائلين بها، فقال: رَوَينا من طريق عبد الرحمن بن مهديّ، نا سفيان الثوريّ، عن سلمة بن كهيل، عن الحسن الْعُرَنيّ، عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- قال:"من أفاض من عرفة، فلا حجّ له"، وعن ابن الزبير -رضي الله عنهما-، أنه كان يقول في خطبته:"ألا لا صلاة إلا بجمع"، فإذا أبطل الصلاة إلا بمزدلفة، فقد جعلها من فرائض الحجّ، ومن طريق شعبة، عن المغيرة بن مقسم، عن إبراهيم النخعيّ، قال: كان يقال: "من فاته جمعٌ، أو عرفة، فقد فاته الحجّ"، ومن طريق عبد الرحمن بن مهديّ، عن سفيان الثوريّ، عن منصور بن المعتمر، عن إبراهيم النخعيّ، قال:"من فاته عرفة، أو جمع، أو جامع قبل أن يزور، فقد فسد حجه"، ومن طريق سفيان الثوريّ أيضًا، عن عبد الله بن أبي السفر، عن الشعبيّ، أنه قال:"من فاته جمع جعلها عمرةً"، وعن الحسن البصريّ:"من لم يقف بجمع، فلا حجّ له"، وعن حمّاد بن سليمان، قال:"من فاته الإفاضة من جمع، فقد فاته الحجّ، فليتحلّل بعمرة، ثم ليحجّ من قابل"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الإجماع المزعوم غير صحيح، وأن الحقّ أنّ الوقوف بالمزدلفة من واجبات الحجّ، فلا يصحّ الحجّ إلا به، كالوقوف بعرفة، وأقوى دليل لذلك حديث عروة بن مضرّس -رضي الله عنه- المذكور، فإن قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومن لم يدرك مع الإمام والناس، فلم يدرك" لا يكون أقلّ دلالة على الوجوب من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الحجّ عرفة"، فكما أن من لم