للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والعجب أنهم قالوا: من لم يقف بها فاته الحجّ، ويجعل إحرامه عمرة. واحتَجَّ الطحاويّ بأن الله لم يذكر الوقوف، وإنما قال: {فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ}، وقد أجمعوا على أن من وقف بها بغير ذكر أن حجه تامّ، فإذا كان الذكر المذكور في الكتاب ليس من صُلْب الحجّ، فالموطن الذي يكون الذكر فيه أحرى أن لا يكون فرضًا، قال: وما احتجوا به من حديث عروة بن مُضَرِّسٍ -وهو بضم الميم، وفتح المعجمة، وتشديد الراء المكسورة، بعدها مهملة- رفعه، قال: "من شَهِد معنا صلاة الفجر بالمزدلفة، وكان قد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارًا، فقد تمّ حجه"؛ لإجماعهم أنه أَبُو بات بها، ووقف، ونام عن الصلاة فلم يُصَلِّها مع الإمام حتى فاتته أن حجه تامّ. انتهى.

وحديث عروة أخرجه أصحاب "السنن"، وصححه ابن حبان، والدارقطنيّ، والحاكم، ولفظ أبي داود عنه: أتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم بالموقف -يعني بجمع- قلت: جئت يا رسول الله من جبل طيئ، فأكللت مطيتي، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جَبَل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أدرك معنا هذه الصلاة، وأتى عرفات قبل ذلك ليلًا أو نهارًا، فقد تمّ حجه، وقَضَى تَفَثَهُ"، وللنسائيّ: "من أدرك جمعًا مع الإمام والناس حتى يفيضوا، فقد أدرك الحجّ، ومن لم يدرك مع الإمام والناس فلم يدرك"، ولأبي يعلى: "ومن لم يُدرك جمعًا فلا حج له".

وقد صنّف أبو جعفر العُقَيليّ جزءًا في إنكار هذه الزيادة، وبَيَّن أنها من رواية مُطَرِّف عن الشعبيّ، عن عروة، وأن مطرفًا كان يَهِمُ في المتون.

قال: وقد ارتكب ابن حزم الشطط، فزعم أنه من لم يصلّ صلاة الصبح بمزدلفة مع الإمام أن الحج يفوته؛ التزامًا لما ألزمه به الطحاويّ.

ولم يعتبر ابن قدامة مخالفته هذه، فحَكَى الإجماع على الإجزاء، كما حكاه الطحاويّ.

وعند الحنفية يجب بترك الوقوف بها دم لمن ليس به عذر، ومن جملة الأعذار عندهم الزحام. انتهى (١).


(١) "الفتح" ٤/ ٦٢٥، ٦٢٦.