للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والصحيح من مذهب الشافعيّ أنه واجب، من تركه لزمه دم، وصَحّ حجه، وبه قال فقهاء الكوفة، وأصحاب الحديث.

وقالت طائفة: هو سنة، إن تركه فاتته الفضيلة، ولا إثم عليه، ولا دم ولا غيره، وهو قول للشافعيّ، وبه قال جماعة.

وقالت طائفة: لا يصح حجّه، وهو مَحْكيّ عن النخعيّ وغيره، وبه قال إمامان كبيران من أصحابنا -يعني الشافعيّة- وهما: أبو عبد الرحمن ابن بنت الشافعيّ، وأبو بكر بن خزيمة، وحُكِي عن عطاء، والأوزاعيّ أن المبيت بالمزدلفة في هذه الليلة ليس بركن، ولا واجب، ولا سنة، ولا فضيلة فيه، بل هو منزل كسائر المنازل، إن شاء تركه، وإن شاء لم يتركه، ولا فضيلة فيه، وهذا قول باطل.

واختلفوا في قدر المبيت الواجب، فالصحيح عند الشافعيّ أنه ساعة في النصف الثاني من الليل، وفي قول له: ساعة من النصف الثاني، أو ما بعده إلى طلوع الشمس، وفي قول ثالث له: أنه معظم الليل، وعن مالك ثلاث روايات: إحداها: كلّ الليل، والثاني: معظمه، والثالث: أقل زمان. انتهى (١).

وقال في "الفتح": وقد اختَلَف السلف في هذه المسألة، فكان بعضهم يقول: من مَرّ بمزدلفة، فلم ينزل بها فعليه دم، ومن نزل بها ثم دفع منها في أيّ وقت كان من الليل فلا دم عليه، ولو لم يقف مع الإمام، وقال مجاهد، وقتادة، والزهريّ، والثوريّ: من لم يقف بها فقد ضَيَّع نسكًا، وعليه دم، وهو قول أبي حنيفة، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور.

ورُوي عن عطاء، وبه قال الأوزاعيّ: لا دم عليه مطلقًا، وإنما هو منزل: من شاء نزل به، ومن شاء لم ينزل به.

وروى الطبري بسند فيه ضعف، عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: "إنما جَمْعٌ منزل لدلج المسلمين".

وذهب ابن بنت الشافعيّ، وابن خزيمة إلى أن الوقوف بها ركنٌ لا يتم الحج إلا به، وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه، ونقله ابن المنذر عن علقمة، والنخعيّ،


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ٣٨، ٣٩.