للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(قَالَ) عبد الله (قَالَتْ لِي أَسْمَاءُ) بنت أبي بكر -رضي الله عنهما- مولاته، ذات النطاقين (وَهِيَ عِنْدَ دَارِ الْمُزْدَلِفَةِ: هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟) قال الأبّيّ رحمه الله: الأظهر في سؤالها عن المغيب أنه لطلب الستر؛ لأنه وإن كان الناس لم يدفعوا، فقد يحضر الموسم من ليس بحاجّ، ويَحْتَمِل أنه لتعلم ما بقي من الليل، فتدفع في آخره. انتهى (١).

(قُلْتُ: لَا، فَصَلَّتْ سَاعَةً، ثُمَّ قَالَتْ: يَا بُنَيَّ هَلْ غَابَ الْقَمَرُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَتْ: ارْحَلْ بِي) أي اذهب معي إلى منى (فَارْتَحَلْنَا حَتَّى رَمَت الْجَمْرَةَ)؛ أي جمرة العقبة (ثُمَّ صَلَّتْ) أي صلاة الصبح (فِي مَنْزِلِهَا)؛ أي في محلّ نزولها من منى، قال القرطبيّ رحمه الله: ظاهره أن أسماء رمت الجمرة قبل طلوع الفجر، وهو متمسّك الشافعيّ في قوله: بجواز رمي الجمرة من نصف الليل، وذهب الثوريّ، والنخعيّ إلى أنها لا تُرْمَى إلا بعد طلوع الشمس، متمسّكين بما أخرجه النسائيّ عن ابن عبّاس -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قدّم ضَعَفَة أهله، وأمرهم ألا يرموا حتى تطلع الشمس، وهو صحيح، ومذهب مالك أن الرمي يحِلّ بطلوع الفجر، متمسّكًا بقول عائشة -رضي الله عنها-: "فأصلي الصبح بمنى، وأرمي الجمرة"، وبحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- وإليه ذهب أحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي. انتهى (٢)، وسيأتي تحقيق هذه المسألة في المسألة الرابعة -إن شاء الله تعالى-.

(فَقُلْتُ لَهَا: أَيْ هَنْتَاهْ)؛ أي يا هذه، وهو بفتح الهاء، وبعدها نون ساكنة ومفتوحة، وإسكانها أشهر، ثم تاء مثناة من فوقُ، قال ابن الأثير: وتسكن الهاء التي في آخرها، وتُضَمّ، وفي التثنية: يا هنتان، وفي الجمع: يا هنات، وهنوات، وفي المذكر: هَن، وهنان، وهنون (٣).

وقال القرطبيّ رحمه الله: "هنتاه" مُنَادَى هَنَة التي هي مؤنّث هَنٍ الذي هو كناية عن نكرة، كشيء ونحوه، ولا يُستعمل هناه، ولا هنتاه إلا في النداء خاصّة، نون هنتاه ساكنة، وأصل هائه أن تكون ساكنة؛ لأنها للسكت، لكنّهم شبّهوها بالضمائر، فأثبتوها في الأصل، وضمّوها، كما قال امرؤ القيس [من المتقارب]:


(١) "شرح الأبيّ" ٣/ ٣٩٥
(٢) "المفهم" ٣/ ٣٩٦، ٣٩٧.
(٣) "شرح النوويّ" ٩/ ٣٩.