[فإن قيل]: كيف يؤمر بالسمع والطاعة للعبد، مع أن شرط الخليفة كونه قرشيًّا؟.
[فالجواب]: من وجهين:
(أحدهما): أن المراد بعض الولاة الذين يوليهم الخليفة، ونوابه، لا أن الخليفة يكون عبدًا.
(والثاني): أن المراد لو قَهَرَ عبد مسلم، واستولى بالقهر نَفَذَت أحكامه، ووجبت طاعته، ولم يجز شَقّ العصا عليه، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيسٌ.
وقال القرطبي -رَحِمَهُ اللهُ-: قوله: "عبدٌ مجدَّعٌ": مقطوع الأنف والأطراف، والجدع: القطع، والعبد الذي يكون في هذه الضَّعَة هو في نهاية الضّعَةِ والخسّة، وذلك أن العبد إنما تنقطع أطرافه من كثرة العمل، والمشي حافيًا، وهذا منه -صلى الله عليه وسلم- على جهة الإغياء على عادة العرب في تمكينهم المعاني، وتأكيدها، كما قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "من بنى لله مسجدًا، ولو مثلَ مَفْحص قطاة، بنى الله تعالى له بيتًا في الجنّة"، ومفحص القطاة لا يصلح لمسجد، وإنما هو تمثيلٌ للتصغير على جهة الإغياء، فكأنه قال: أصغر ما يكون من المساجد، وعلى هذا التأويل لا يكون حجةً لمن استدلّ على جواز تأمير العبد فيما دون الإمامة الكبرى، وهم بعض أهل الظاهر فيما أحسب، فإنه قد اتّفق على أن الإمام الأعظم لا بدّ أن يكون حرًّا، على ما نصّ أصحاب مالك أن القاضي لا بدّ أن يكون حرًّا، قال: وأمير الجيش والحرب في معناه، فإنها مناصب دينيّةٌ، يتعلّق بها تنفيذ أحكام شرعيّة، فلا يصلح لها العبد؛ لأنه ناقص بالرقّ، محجور عليه، لا يستقلّ بنفسه، ومسلوب أهليّة الشهادة والتنفيذ، فلا يصلح للقضاء، ولا للإمارة، وأظنّ أن جمهور علماء المسلمين على ذلك. انتهى كلام القرطبيّ.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فيما قاله القرطبيّ من نفيه تولية العبد على الإطلاق، نظر لا يخفى؛ فإن التعليل الذي علّل به عدم الجواز غير لازم، فلو أذن له سيّده، أو كان السيد هو الإمام الأعظم، فولّاه زالت الموانع، فما عزاه إلى بعض أهل الظاهر إن صحّ عنهم هو الظاهر، فليُتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب.