للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقد يحتجون بحديث عبد الله بن عباس بن أبي ربيعة، قال: صحبت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، فما رأيته مُضَرِّبًا فُسْطاطًا حتى رجع، رواه الشافعيّ، والبيهقيّ بإسناد حسن.

وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه أبصر رجلًا على بعيره، وهو محرمٌ، قد استَظَلّ بينه وبين الشمس، فقال: اضْحَ لمن أحرمتَ له، رواه البيهقيّ بإسناد صحيح.

وعن جابر -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من محرم يَضْحَى للشمس حتى تغرُب إلا غربت بذنوبه، حتى يعود كما ولدته أمه"، رواه البيهقيّ، وضعّفه.

واحتَجَّ الجمهور بحديث أم الحصين، وهذا المذكور في مسلم هنا، ولأنه لا يسمى لبسًا، وأما حديث جابر فضعيف، كما ذكرنا، مع أنه ليس فيه نهيٌ، وكذا فعلُ عمر، وقول ابن عمر ليس فيه نهيٌ، ولو كان فحديث أم الحصين -رضي الله عنها- مقدَّم عليه. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

[تنبيه]: ذكر الأبيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "شرحه" أن الرقاشي قال لابن المعدل في يوم شديد الحرّ: أفلا استظللت يا أبا الفضل، فإن في ذلك سعةً؛ للاختلاف فيه، فأنشد له [من الطويل]:

ضَحَيْتُ لَهُ كَيْ أَسْتَظِلَّ بِظِلِّهِ … إِذَا الظِّلُّ أَضْحَى فِي الْقِيَامَة قَالِصَا

فَوَا أَسَفَا إِنْ كَانَ سَعْيُكَ بَاطِلًا … وَيَا حَسْرَتَا إِنْ كَانَ أَجْرُكَ نَاقِصَا

يقال: ضَحَيتُ، وضحوتُ ضَحيًا وضَحْوًا: برزت للشمس، وضحيتُ ضحى: أصابتني الشمس، ومنه {لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى}. انتهى (٢).

٤ - (ومنها): بيان الحضّ على طاعة الإمام.

٥ - (ومنها): أن الإمام لا يُشترط أن يكون حرًّا، فقد يتولّى العبد بإذن مولاه، فتجب طاعته، أو يتغلّب، فيتولّى بالقهر والغلبة، فتجب طاعته؛ مراعاة للمصلحة، وصونًا لدماء المسلمين وأموالهم، وأعراضهم.

(ومنها): أن شرط وجوب طاعة الأمير أن يقود بكتاب الله تعالى، وأما إذا أمر بهواه، مخالفًا للكتاب والسنّة، فلا طاعة له، وهذا معنى الحديث الآخر: "إنما الطاعة في المعروف" متّفق عليه، وفي رواية أحمد، وأبي داود،


(١) "شرح النوويّ" ٩/ ٤٦.
(٢) "شرح الأبيّ" ٣/ ٣٩٩.