(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الترتيب في رمي الجمرات:
(اعلم): أنه يجب الترتيب في رمي الجمار أيام التشريق، فيبدأ بالجمرة الأولى التي تلي مسجد الخيف، فيرميها بسبع حصيات، مثل حصى الخذف، يكبّر مع كل حصاة، ثم يقف، فيدعو طويلًا، ثم ينصرف إلى الجمرة الوسطى، فيرميها كالتي قبلها، ثم يقف فيدعو طويلًا، ثم ينصرف إلى جمرة العقبة، فيرميها كذلك، ولا يقف عندها، بل ينصرف إذا رمى.
قال الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: وهذا الترتيب على النحو الذي ذكرنا هو الذي فعله النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأمر بأخذ المناسك عنه، فعلينا أن نأخذ عنه من مناسكنا الترتيب المذكور، ففي "صحيح البخاريّ" -رَحِمَهُ اللهُ- من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات، يكبّر على إثْرِ كل حصاةٍ، ثم يتقدَّم حتى يُسْهِلَ، فيقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا، ويدعو، ويرفع يديه، ثم يرمي الوُسطى، ثم يأخذ ذات الشمال، فيستهلّ، ويقوم مستقبل القبلة، فيقوم طويلًا، ويدعو، ويرفع يديه، ويقوم طويلًا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها، ثم ينصرف، فيقول: هكذا رأيت النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يفعله. انتهى.
وهذ نصّ صحيح صريح في الترتيب المذكور، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "لتأخذوا عني مناسككم"، فإن لم يرتب الجمرات بأن بدأ بجمرة العقبة لم يجزئه الرمي منكسًا؛ لأنه خالف هدي النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي "الصحيح": "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وتنكيس الرمي عمل ليس من أمره، فيكون مردودًا، وبهذا قال مالك، والشافعيّ، وأحمد، وجمهور أهل العلم، وقال أبو حنيفة: الترتيب المذكور سنّة، فإن نَكَّس الرمي أعاده، وإن لم يُعِد أجزأه، وهو قول الحسن، وعطاء، واحتجوا بأدلة لا تنهض، وعلى الصحيح الذي هو قول الجمهور: إن الترتيب شرط لو بدأ بجمرة العقبة، ثم الوسطى، ثم الأولى، أو بدأ بالوسطى، ورمى الثلاث، لم يُجزه إلا الأولى؛ لعدم الترتيب في الوسطى، والأخيرة،