للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ لثبوت ذلك عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذكر حديث جابر -رضي الله عنه- هذا، وحديث ابن عمر -رضي الله عنهما- عند البخاريّ قال: "كنا نتحيّن (١) فإذا زالت الشمس رمينا"، وحديث عائشة -رضي الله عنها- عند الإمام أحمد، وأبي داود قالت: "أفاض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آخر يوم حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى، فمكث بها ليالي أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس … " الحديث، وفي إسناده محمد بن إسحاق ولم يصرّح بالتحديث، وروى الإمام أحمد، وابن ماجه، والترمذيّ، وحسّنه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "رمى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجمار حين زالت الشمس".

وبهذه النصوص الثابتة عن النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- تعلم أن قول عطاء، وطاوس، بجواز الرمي في أيام التشريق قبل الزوال، وترخيص أبي حنيفة في الرمي يوم النفر قبل الزوال، وقولُ إسحاق: إن رمى قبل الزوال في اليوم الثالث أجزأه، كل ذلك خلاف التحقيق؛ لأنه مخالف لفعل النَّبيّ -صلى الله عليه وسلم- الثابت عنه المعتضد بقوله: "لتأخذوا عني مناسككم"، ولذلك خالف أبا حنيفة في ترخيصه المذكور صاحباه محمد وأبو يوسف، ولم يُرِد في كتاب الله ولا سنة نبيّه -صلى الله عليه وسلم- شيء يخالف ذلك، فالقول بالرمي قبل الزوال أيام التشريق لا مستند له البتة، مع مخالفته للسنة الثابتة عنه -صلى الله عليه وسلم-، فلا ينبغي لأحد أن يفعله، والعلم عند الله تعالى. انتهى كلام الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- تحقيق نفيس، خلاصته أنه لا يجوز الرمي في أيام التشريق إلا بعد الزوال؛ اقتداء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

لكن لو أفتى مُفت بقول عطاء وطاوس، وإسحاق، وأبي حنيفة -رحمهم الله تعالى- من جواز الرمي قبل الزوال بسبب ما حدث في الوقت الحاضر من كثرة الحجاج، وموت كثير منهم، وتضرّر جميعهم بسبب كون الرمي بعد الزوال، ولا سيّما في اليوم الأخير، لا أرى به بأسًا؛ لقول الله -عَزَّ وَجَلَّ-:


(١) أي نراقب الوقت.
(٢) "أضواء البيان" ٤/ ٤٦٣، ٤٦٤.