إلى مخالفته عظيم، ولكن الذنوب، وإن عظمت، فهي متفاوتة في رتبها.
وظنّ بعض الناس أن الخلاف لفظيّ، فقال: التحقيق أن للكبيرة اعتبارين، فبالنسبة إلى مقايسة بعضها لبعض، فهي تختلف قطعًا، وبالنسبة إلى الآمر الناهي، فكلّها كبائر. اهـ. والتحقيق أن الخلاف معنويّ، وإنما جَرَى إليه الأخذ بظاهر الآية، والحديث الدالّ على أن الصغائر تُكفّر باجتناب الكبائر، كما تقدّم، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ: ما أظنّه يصحّ عن ابن عباس أن كلّ ما نهى الله تعالى عنه كبيرة؛ لأنه مخالف لظاهر القرآن في الفرق بين الصغائر والكبائر في قوله:{الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}[النجم: ٣٢]، وقوله:{إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ}[النساء: ٣١]، فجعل في المنهيّات صغائر وكبائر، وفرّق بينهما في الحكم، إذ جعل تكفير السيئات في الآية مشروطًا باجتناب الكبائر، واستثنى اللمم من الكبائر والفواحش، فكيف يخفى ذلك على حبر القرآن؟.
قال الحافظ: ويؤيّده ما سيأتي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما في تفسير اللمم، لكن النقل المذكور عنه، أخرجه إسماعيل القاضي، والطبريّ بسند صحيح على شرط الشيخين إلى ابن عبّاس، فالأَولى أن يكون المراد بقوله:"نهى الله عنه" محمولًا على نهي خاصّ، وهو الذي قُرن به وعيد، كما قُيّد في الرواية الأخرى عن ابن عباس، فيحمل مطلقه على مقيّده جمعًا بين كلاميه.
وقال الطيبيّ: الصغيرة والكبيرة أمران نسبيّان، فلا بدّ من أمر يضافان إليه، وهو أحد ثلاثة أشياء: الطاعة، أو المعصية، أو الثواب، فأما الطاعة، فكلّ ما تكفّره الصلاة مثلًا هو من الصغائر، وكلّ ما يكفّره الإسلام، أو الهجرة فهو من الكبائر.
وأما المعصية، فكلّ معصية يستحقّ فاعلها بسببها وعيدًا، أو عقابًا أزيد من الوعيد، أو العقاب المستحقّ بسبب معصية أخرى، فهي كبيرة.
وأما الثواب، ففاعل المعصية إذا كان من المقرّبين، فالصغيرة بالنسبة إليه