كبيرة، فقد وقعت المعاتبة في حقّ بعض الأنبياء على أمور لم تُعَدّ من غيرهم معصية. اهـ.
وكلامه فيما يتعلّق بالوعيد والعقاب يخصّص عموم مَن أطلق أن علامة الكبيرة ورود الوعيد، أو العقاب في حقّ فاعلها، لكن يلزم منه أن مطلق قتل النفس مثلًا كبيرة، كأنه وإن ورد الوعيد فيه، أو العقاب، لكن ورد الوعيد وإلعقاب في حقّ قاتل ولده أشدّ، فالصواب ما قاله الجمهور، وأن المثال المذكور، وما أشبهه ينقسم إلى كبير وأكبر. انتهى كلام الحافظ رحمه الله تعالى (١) وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع، والمآب.
(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في حدّ الكبيرة:
قال النوويّ رحمه الله تعالى: قد اختلف العلماء في حدّ الكبيرة، وتمييزها من الصغيرة، فجاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: كل شيء نَهَى الله عنه فهو كبيرة، وبهذا قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايينيّ الفقيه الشافعيّ، وحَكَى القاضي عياض رحمه الله تعالى هذا المذهب عن المحققين.
واحتج القائلون بهذا بأن كلَّ مخالفة فهي بالنسبة إلى جلال الله تعالى كبيرة.
وذهب الجماهير من السلف والخلف، من جميع الطوائف إلى انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، وهو مرويّ أيضًا عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، وقد تظاهر على ذلك دلائل من الكتاب والسنة، واستعمال سلف الأمة وخلفها، قال أبو حامد الغزاليّ في كتابه "البسيط": إنكار الفرق بين الصغيرة والكبيرة لا يليق بالفقيه، وقد فُهِمَا من مدارك الشرع، وهذا الذي قاله أبو حامد قد قاله غيره بمعناه، ولا شك في كون المخالفة قبيحة جدًّا بالنسبة إلى جلال الله تعالى، ولكن بعضها أعظم من بعض، وتنقسم باعتبار ذلك إلى ما تُكَفِّره الصلوات الخمس، أو صوم رمضان، أو الحجّ، أو العمرة، أو الوضوء، أو صوم عرفة، أو صوم عاشوراء، أو فعل الحسنة، أو غير ذلك مما جاءت به الأحاديث