الصحيحة، وإلى ما لا يُكَفِّره ذلك، كما ثبت في "الصحيح": "ما لم يَغْشَ كبيرة"، فسَمَّى الشرع ما تكفره الصلاة ونحوها صغائر، وما لا تكفره كبائر، ولا شكّ في حسن هذا، ولا يُخرجها هذا عن كونها قبيحة بالنسبة إلى جلال الله تعالى، فإنها صغيرة بالنسبة إلى ما فوقها؛ لكونها أقلّ قُبْحًا، ولكونها متيسرة التكفير، والله تعالى أعلم.
وإذا ثبت انقسام المعاصي إلى صغائر وكبائر، فقد اختلفوا في ضبطها اختلافًا كثيرًا منتشرًا جدًّا.
فروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أنه قال: الكبائر كلُّ ذنب ختمه الله تعالى بنار، أو غضب، أو لعنة، أو عذاب، ونحوُ هذا عن الحسن البصريّ.
وقال آخرون: هي ما أوعد الله عليه بنار، أو حدّ في الدنيا.
قال الحافظ: وممن نَصّ على هذا الأخير الإمام أحمد، فيما نقله القاضي أبو يعلى، ومن الشافعية الماورديّ، ولفظه: الكبيرة ما وجبت فيه الحدود، أو توجه إليها الوعيد، والمنقول عن ابن عباس، أخرجه ابن أبي حاتم بسند لا بأس به، إلا أن فيه انقطاعًا، وأخرج من وجه آخر متصل لا بأس برجاله أيضًا، عن ابن عباس قال: كلُّ ما توعّد الله عليه بالنار كبيرة، وقد ضبط كثير من الشافعية الكبائر بضوابط أخرى، منها: قولُ إمام الحرمين: كلُّ جريمة تُؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، ورِقّة الديانة، وقول الْحَلِيميّ: كل محرم لعينه منهيّ عنه لمعنى في نفسه، وقال الرافعيّ: هي ما أوجب الحدّ، وقيل: ما يُلحَق الوعيدُ بصاحبه بنصّ كتاب أو سنة. هذا أكثر ما يوجد للأصحاب، وهم إلى ترجيح الأول أميل، لكن الثاني أوفق لما ذكروه عند تفصيل الكبائر. انتهى كلامه.
وقد استُشكِل بأن كثيرًا مما وَردت النصوص بكونه كبيرةً لا حَدّ فيه، كالعقوق.
وأجاب بعض الأئمة بأن مُراد قائله: ضبطُ ما لم يَرِد فيه نص بكونه كبيرةً.
وقال ابن عبد السلام في "القواعد": لم أقف لأحد من العلماء على ضابط للكبيرة، لا يَسْلَم من الاعتراض، والأولى ضبطها بما يُشعِر بتهاون مرتكبها بدينه إشعارَ أدون الكبائر المنصوص عليها.