للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال الحافظ: وهو ضابط جيّدٌ (١).

وقال أبو حامد الغزالي في "البسيط": والضابط الشامل المعنويّ في ضبط الكبيرة أنّ كلَّ معصية يُقْدِم المرء عليها من غير استشعار خوف، وحذار ندم، كالمتهاون بارتكابها، والمتجرئ عليه اعتيادًا، فما أشعر بهذا الاستخفاف والتهاون، فهو كبيرة، وما يُحْمَل على فَلَتات النفس، أو اللسان، وفترة مراقبة التقوى، ولا ينفك عن تندم يمتزجُ به تنغيص التلذذ بالمعصية، فهذا لا يمنع العدالة، وليس هو بكبيرة.

وقال الشيخ الإمام أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى في "فتاويه": الكبيرةُ كل ذنب كَبُر وعَظُم عِظَمًا يَصِحُّ معه أن يُطلَق عليه اسم الكبير، ووصف بكونه عظيمًا على الإطلاق، قال: فهذا حدّ الكبيرة، ثم لها أمارات، منها: إيجاب الحدّ، ومنها: الإيعاد عليها بالعذاب بالنار، ونحوها، في الكتاب أو السنة، ومنها: وصف فاعلها بالفسق نصًّا، ومنها: اللعن، كـ "لَعَنَ الله مَن غيّر مَنَارَ الأرض".

وقال الشيخ الإمام أبو محمد بن عبد السلام رحمه الله تعالى في كتابه "القواعد": إذا أردت معرفة الفرق بين الصغيرة والكبيرة، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر، فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر، أو رَبَت عليه فهي من الكبائر، فمَن شَتَمَ الربّ سبحانه وتعالى، أو رسوله - صلى الله عليه وسلم -، أو استهان بالرسل، أو كذَّب واحدًا منهم، أو ضَمَخَ الكعبة بالعَذِرَة، أو ألقى المصحف في القاذورات، فهي من أكبر الكبائر، ولم يصرِّح الشرع بأنه كبيرة، وكذلك لو أمسك امرأةً محصنةً لمن يزني بها، أو أمسك مسلمًا لمن يقتله، فلا شك أن مفسدة ذلك أعظم من مفسدة أكل مال اليتيم، مع كونه من الكبائر، وكذلك لو دَلَّ الكفار على عورات المسلمين، مع علمه أنهم يستأصلون بدلالته، وَيسْبُون حُرَمَهم وأطفالهم، وَيغْنَمون (٢) أموالهم، فإن نسبته إلى هذه المفاسد أعظم من توليه يوم


(١) "الفتح" ١٠/ ٤٢٤ - ٤٢٥ "كتاب الأدب" رقم الحديث (٥٩٧٧).
(٢) من باب فرخ.