الزحف بغير عذر، مع كونه من الكبائر، وكذلك لو كَذَب على إنسان كذبًا يَعلم أنه يُقتل بسببه، أما إذا كَذَب عليه كذبًا يؤخذ منه بسببه تمرة، فليس كذبه من الكبائر، قال: وقد نَصَّ الشرع على أن شهادة الزور، وأكل مال اليتيم من الكبائر، فإن وقعا في مال خطير فهذا ظاهر، وإن وقعا في مال حقير، فيجوز أن يُجعلا من الكبائر فِطَامًا عن هذه المفاسد، كما جُعِل شرب قَطْرة من خمر من الكبائر، وإن لم تتحقق المفسدة، ويجوز أن يُضْبَط ذلك بنصاب السرقة، قال: والحكم بغير الحقّ كبيرة، فإن شاهد الزور متسبب، والحاكم مباشر، فإذا جُعل السبب كبيرة، فالمباشرة أولى. قال:
وقد ضبط بعض العلماء الكبائر بأنها كل ذنب قُرِن به وعيدٌ، أو حَدٌّ، أو لَعْنٌ، فعلى هذا كلُّ ذنب عُلِم أن مفسدته كمفسدة ما قُرِن به الوعيد، أو الحدّ، أو اللعن، أو أكثر من مفسدته فهو كبيرة، ثم قال: والأولى أن تُضبَط الكبيرة بما يُشْعِر بتهاون مرتكبها في دينه إشعارَ أصغر الكبائر المنصوص عليها، والله أعلم. انتهى كلام الشيخ ابن عبد السلام رحمه الله تعالى.
وقال الإمام أبو الحسن الواحديّ المفسر وغيره: الصحيح أن حَدَّ الكبيرة غير معروف، بل وَرَدَ الشرع بوصف أنواع من المعاصي بأنها كبائر، وأنواع بأنها صغائر، وأنواعٍ لم توصف، وهي مشتملة على صغائر وكبائر، والحكمة في عدم بيانه أن يكون العبد ممتنعًا مخافةَ أن يكون من الكبائر، قالوا: وهذا شبيهٌ بإخفاء ليلة القدر، وساعة يوم الجمعة، وساعة إجابة الدعاء من الليل، واسم الله الأعظم، ونحو ذلك، مما أُخفِيَ، والله تعالى أعلم بالصواب. انتهى كلام النوويّ (١).
وقال الحافظ رحمه الله تعالى أيضًا في "الفتح" في "كتاب الحدود" بعد أن ذكر الأحاديث الواردة في الكبائر، ما نصّه: هاذا تقرر ذلك عُرِف فساد مَن عَرَّف الكبيرة بأنها ما وَجَب فيها الحدّ؛ لأن أكثر المذكورات لا يجب فيها الحدّ، قال الرافعيّ في "الشرح الكبير": الكبيرة هي الموجبة للحدّ، وقيل: ما
(١) "شرح مسلم" للنوويّ ٢/ ٨٤ - ٨٥، بزيادة من "الفتح" (١٠/ ٤٢٤ - ٤٢٥) رقم الحديث (٥٩٧٦ - ٥٩٧٧).