للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{وَمِنْ ذُرِّيَّتِي}، وفائدة العدول تعليم تعميم دعاء الرزق، وأن لا يحجر في طلب اللطف، أو التقديرُ: وأرزق من كفر، بصيغة المتكلم.

وقال الآلوسي: ولك أن تجعل العطف على محذوف: أي ارزق من آمن ومن كفر. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد نظمت العطف التلقينيّ، ومثله الاستثناء التلقينيّ، كحديث: "إلا الإذخر"، بقولي:

وعَطْفُ قَوْلِ قَائِل عَلَى سِوَاهْ … بِعَطْفِ تَلْقِينٍ دَعَاه مَنْ حَوَاه

كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {قَالَ وَمِنْ … ذُرِّيَّتِي} فَاحْفَظْهُ أَيُّهَا الْفَطِنْ

وَمِثْلُ ذَا اسْتِثْنَاؤُهُمْ كَمَا انْتَظَمْ … إِخْرَاجُهُ الإِذْخِرَ عَنْ حُكْمِ الْحَرَمْ

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ") هذا تنبيهٌ على أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يقتصر على المحلِّقين أولًا؛ لعدم الالتفات إلى المقصرين، بل دَعَا لهم قصدًا، وكرر الدعاء لهم خاصّةً؛ لإظهار فضيلة التحليق.

(قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ؟) تأكيد لاستدعاء الرحمة للمقصرين، قال القاري: هل هو قول المحلقين، أو المقصرين، أو قولهما جميعًا؟ احتمالات ثلاث، أظهرها بعض الكل من النوعين.

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("وَالْمُقَصِّرِينَ") قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه إعطاء المعطوف حكم المعطوف عليه، ولو تخلل بينهما السكوت بلا عذر، ثم هو هكذا في معظم الروايات عن مالك: الدعاء للمحلقين مرتين، وعطف المقصرين عليهم في المرة الثالثة، وانفرد يحيى بن بكير دون رواة "الموطإ" بإعادة ذلك ثلاث مرات، نبّه عليه ابن عبد البر في "التقصِّي"، وأغفله في "التمهيد"، بل قال فيه: إنهم لم يختلفوا على مالك في ذلك، قال (٢): وقد راجعت أصل سماعي من موطأ يحيى بن بكير فوجدته كما قال في "التقصي".

وفي رواية الليث، عن نافع عند مسلم -يعني الرواية السابقة- وعلّقها البخاريّ: "رحم الله المحلقين مرة، أو مرتين"، قالوا: والمقصرين؟ قال: "والمقصرين"، والشك فيه من الليث وإلا فأكثرهم موافق لما رواه مالك،


(١) راجع: "المرعاة" ٩/ ٢٥٦.
(٢) القائل: الحافظ.