للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

في الحديبية، كما تقدّم عنه أن المُحْصَر يجب عليه الحلق، أو التقصير كغيره، فإن سقوط بقية الأركان عنه إنما هو لعجزه عنها، وهو قادر على الحلق، فيبقى وجوبه، وقد حض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أصحابه على ذلك، وبهذا قال مالك، وكذا الشافعيّ؛ بناء على أصح قوليه، وأشهرهما أن الحلق نسك، وحُكِي عن أبي يوسف، وقال أبو حنيفة، ومحمد بن الحسن: ليس عليه حلق، ولا تقصير. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: ما قاله الأولون من وجوب الحلق أو التقصير على المحصر هو الحقّ؛ لوضوح حجته، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

(الرابعة): محل الحلق والتقصير شعر الرأس، دون بقية شعور البدن، واستَحَبّ مالك مع الحلق أن يأخذ من لحيته، وشاربه، وأظافره، وصحّ عن ابن عمر -رضي الله عنهما- فعلُ ذلك، رواه مالك، والشافعيّ، والبيهقيّ. انتهى.

قال الجامع عفا الله عنه: أما الأخذ من اللحية فلا وجه له، ولا يكون فعل ابن عمر في ذلك حجة؛ لصحّة قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أعفوا اللحى"، فلا يعارض المرفوع بفعله، وأما الأخذ من الشارب، والأظافر، فسنّة، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(الخامسة): أنه يسقط الحلق والتقصير بفقد شعر الرأس، فإذا كان أصلع، أو محلوقًا، فلا شيء عليه، ولا فدية، ولكن يستحب إمرار الموسى على رأسه عند مالك، والشافعيّ، وأحمد، والجمهور، وأوجبه أبو حنيفة، وأنكره أبو بكر بن داود، وهو محجوج بالإجماع قبله، فقد حكى ابن المنذر إجماع العلماء على أن الأصلع يُمِرّ الموسى على رأسه، قال الشافعيّ: ولو أخذ من شاربه، أو شعر لحيته شيئًا كان أحبّ إلي؛ ليكون قد وضع من شعره شيئًا لله تعالى، قال إمام الحرمين: ولست أرى لذلك وجهًا إلا أن يكون أسنده إلى أثر.

قال الجامع عفا الله عنه: قد أجاد إمام الحرمين -رَحِمَهُ اللهُ- في هذا الاعتراض، فكيف تُقام السنة بأخذ شعر اللحية المنهيّ عنه، هيهات هيهات.

وقال المتولي: يستحب أن يأخذ من الشعور التي يؤمر بإزالتها للفطرة، كالشارب، والإبط، والعانة؛ لئلا يخلو نسكه عن حلق.