قال وليّ الدين: وفي ذكره مع ذلك من لا شعر على رأسه نظر، فإن هذا لا يتأتى في حقه حلق ولا تقصير، ومسألة العقص والضفر شكل من التلبيد، فإنه لا يتعذر مع ذلك التقصير بلا شك، بل ولا يتعذر مع التلبيد، والعيان يدفعه، وهذا خلاف في شهادة، والْمُدرَك الذي ذكره أصحابنا أقرب، والله أعلم.
وأشار الخطابيّ إلى الاستدلال لتعيّن الحلق في صورة التلبيد بهذا الحديث، فقال: وفي قوله: "اللهم ارحم المحلقين" وجه آخر، وهو أن السنة فيمن لَبَّد رأسه الحلاق، وإنما يجزئ التقصير فيمن لم يلبّد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد لبد رأسه.
قال وليّ الدين: وفيما ذكره نظرٌ؛ لأن الحديث دل على جواز التقصير في هذه الحالة أيضًا بدعائه -صلى الله عليه وسلم- للمقصرين، وهو خلاف مُدَّعاه. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر الأرجح قول من قال: إن من لبّد يجوز له الحلق، أو التقصير؛ لعموم الأدلّة، وأما حديث:"من لبّد رأسه … إلخ"، فقد ضعّفه البيهقيّ، فلا يصلح للاحتجاج به؛ فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(الثانية): قال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: قال أصحابنا: المقصود من الحلق أو التقصّير إزالة الشعر، فيقوم مقامه النتف، والإحراق، والأخذ بالنورة والمقصين، والقطع بالأسنان وغيرها، ويحصل الحلق بكل واحد من ذلك، قالوا: ومحله ما إذا لم ينذر الحلق، فإن نذره تعيّن، ولم تقم هذه الأمور مقامه، وقد يقال: إن في ذلك استنباط معنى من النصّ يعود عليه بالإبطال، كما قالوا في قول الحنفية: يجوز إخراج القيمة في الزكاة؛ لأنها قد تكون أبلغ في سدّ خلة الفقير، فيحتاج إلى الفرق بين البابين، والمشهور عند المالكية أيضًا إجزاء الأخذ بالنورة، وقال أشهب: لا يجزئ. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: في كون النتف وما ذكر معه يقوم مقام الحلق نظر لا يخفى، كما أشار إليه وليّ الدين في آخر كلامه، فالظاهر أنه يتعيّن الحلق، إلا عند التعذّر، فتأمّل، والله تعالى أعلم.
(الثالثة): أنه رَتَّب ابن عبد البر -رَحِمَهُ اللهُ- على ما ذكره من ورود هذا الحديث