قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما ذُكر أن الواجب في حقّ المرأة المحرمة التقصير دون الحلق، ولا يجوز لها أن تحلق كما قال القاضيان: أبو الطيّب والحسين من الشافعيّة؛ لمخالفتها الواجب عليها، ولحديث:"من عَمِل عملًا … إلخ"، وحديث نهي النساء عن التشبّه بالرجال، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[فوائد]: ذكرها الحافظ وفي الدين -رَحِمَهُ اللهُ-:
(الأولى): قال: محل التخيير بين الحلق والتقصير عند المالكية والحنابلة ما إذا لم يُلَبِّد شعر رأسه، فإن لبّده أي سَكَّنه بما يمنع الانتفاش، كالصمغ ونحوه تعيّن عندهم الحلق، ولم يجز التقصير، وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وسفيان الثوريّ، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وقال به ابن المنذر، وحكاه القاضي عياض، والنوويّ عن جمهور العلماء.
وذهب ابن عباس -رضي الله عنهما- إلى أنه على ما نوى من ذلك: إن نوى الحلق تعيّن، وإلا فهو على التخيير.
وذهب أبو حنيفة إلى بقاء التخيير في حقه أيضًا، وأنه لا فرق بين الملبّد وغيره، وحكاه ابن المنذر عن أصحاب الرأي، وحكاه النوويّ في "شرح المهذب" عن ابن عباس، وهو قول الشافعيّ في الجديد، وهو الصحيح عند أصحابه، وما حكاه ابن المنذر هو قوله في القديم.
وتمسك الأولون بما رُوي من طريق عبد الله بن عمر العمريّ، عن نافع، عن ابن عمر، أنه -صلى الله عليه وسلم- قال:"من لَبَّد رأسه فليحلق"، وجعل أصحابنا المعنى في ذلك أن التلبيد لا يفعله إلا من يريد الحلق يوم النحر للنسك، فينزل هذا منزلة نذر الحلق، وجعل المالكية سبب ذلك تعذر التقصير، وقالوا: لا يمكن التقصير مع التلبيد، قال ابن شاس في "الجواهر": ويقوم التقصير مقام الحلق حيث يتمكن من الإتيان به على وجهه، وقد يتعذر إن عجز عن ذلك، فيتعيّن الحلق، كمن لا شعر على رأسه، أو شعره لطيف لا يمكن تقصيره، أو لبّد شعره، مثل أن يجعل الصمغ في الغسول، ثم يلطخ به رأسه عند الإحرام، أو عَقَصه، أو ضَفّره، فإنه لا بد من الحلق في جميع هذه. انتهى.