للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

جميع رأسه، وأعطى شعر رأسه لأبي طلحة؛ ليفرقه على الناس، وفعلُه في الحلق بيان للنصوص الدالة على الحلق، كقوله: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} الآية، وقوله: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦]، قال: وفعله -صلى الله عليه وسلم- إذا كان بيانًا لنص مجملٍ يقتضي وجوب حكم أن ذلك الفعل المبيِّنَ لذلك النص المجمل واجب، ولا خلاف في ذلك بين من يُعْتَدّ به من أهل الأصول. انتهى كلام الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- (١).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن مما سبق من سوق مذاهب العلماء، وأدلّتهم أن الأرجح هو ما ذهب إليه مالك وغيره من أن الواجب في الحلق حلق جميع الرأس، وكذلك التقصير من جميع الرأس، لظهور حجته، فتبصّر، والله تعالى أعلم أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السادسة): هذا الذي ذكرناه من الاختلاف في وجوب حلق جميع الرأس، وعدمه إنما هو في حق الرجال، فأما النساء فإن المشروع في حقهنّ التقصير بالإجماع، ورَوَى أبو داود في "سننه" عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "ليس على النساء حلق، إنما على النساء التقصير" (٢).

قال وليّ الدين -رَحِمَهُ اللهُ-: وقال أصحابنا: فلو حلقت المرأة أجزأها، قال الماورديّ: وتكون مسيئة، وقال جماعة من أصحابنا: يكره لها الحلق، وقال القاضيان: أبو الطيب، وحسين: لا يجوز، قال النوويّ في "شرح المهذب": ولعلهما أرادا أنه مكروه، قال: وقد يُستدل للكراهة بحديث عليّ -رضي الله عنه-: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نَهَى أن تحلق المرأة رأسها"، رواه الترمذيّ، وقال: فيه اضطراب، ولا دلالة فيه لضعفه، ولكن يُستدلّ بعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عَمِل عملًا ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وبالحديث الصحيح في نهي النساء عن التشبه بالرجال. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللهُ- (٣)، وهو بحث نفيسٌ.


(١) "أضواء البيان" ٥/ ١٨٣، ١٨٤.
(٢) صححه الشيخ الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ- في السلسلة الصحيحة" (٦٠٥)؛ وأورده في "صحيح أبي داود" (١٧٣٢).
(٣) راجع: "طرح التثريب في شرح التقريب" ٥/ ١١٥.