للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

من جميع شعر رأسه، ويستحب أن لا ينقص عن قدر الأنملة، وإن اقتصر على ما دونها أجزأ، هذا للشافعية، وهو مرتب عند غيرهم على الحلق، وهذا كله في حق الرجال، كذا في "الفتح" (١).

وقال ابن قدامة -رَحِمَهُ اللهُ-: يلزم التقصير أو الحلق من جميع شعره، كذلك المرأة، نص عليه أحمد، وبه قال مالك، وعن أحمد يجزئه البعض مبنيًا على المسح في الطهارة، وكذلك قال ابن حامد، وقال الشافعي: يجزئه التقصير من ثلاث شعرات، واختار ابن المنذر أنه يجزئه ما يقع عليه اسم التقصير لتناول اللفظ له، ولنا قول الله تعالى: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ}، وهذا عام في جميعه، ولأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حلق جميع رأسه تفسيرًا لمطلق الأمر به، فيجب الرجوع إليه، ولأنه نُسك تعلق بالرأس، فوجب استيعابه به كالمسح. انتهى (٢).

واختار ابن الهمام -رَحِمَهُ اللهُ- من الحنفيّة قول مالك في وجوب استيعاب الرأس بالحلق والتقصير، وقال بعد بسط الكلام فيه: فكان مقتضى الدليل في الحلق وجوب الاستيعاب، كما هو قول مالك، وهو الذي أدين الله به، قال: وقياسه على المسح قياس مع الفارق. انتهى.

وقال الشيخ الشنقيطيّ -رَحِمَهُ اللهُ- بعد ذكر مذاهب الأئمة في ذلك: أظهر الأقوال عندي أنه يلزم حلق جميع الرأس أو تقصير جميعه، ولا يلزم تتبع كل شعرة في التقصير؛ لأن فيه مشقة كبيرة، بل يكفي تقصير جميع جوانب الرأس مجموعة أو مفرقة، وأنه لا يكفي الربع، ولا ثلاث شعرات خلافًا للحنفية، والشافعية؛ لأن الله تعالى يقول: {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ}، ولم يقل: بعض رؤوسكم، {وَمُقَصِّرِينَ} أي رؤوسكم لدلالة ما ذكر قبله عليه، وظاهره حلق الجميع أو تقصيره، ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا لدليل يجب الرجوع إليه، ولأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "دَعْ ما يريبك إلى ما لا يريبك"، فمن حلق الجميع أو قصّره ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه؛ ومن اقتصر على ثلاث شعرات، أو على ربع الرأس لم يَدَعْ ما يريبه؛ إذ لا دليل يجب الرجوع إليه من كتاب ولا سنة على الاكتفاء بواحد منهما، ولأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لما حلق في حجة الوداع حلق


(١) "الفتح" ٤/ ٦٨٣.
(٢) "المغني" ٣/ ٣٩٣.