للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عليهم من الحزن؛ لكونهم مُنِعُوا من الوصول إلى البيت، مع اقتدارهم في أنفسهم على ذلك، فخالفهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وصالح قريشًا على أن يرجع من العام المقبل، والقصة مشهورة، كما ستأتي في مكانها، فلما أمرهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بالإحلال، توقفوا، فأشارت أم سلمة -رضي الله عنها- أن يَحِلّ هو -صلى الله عليه وسلم- قبلهم، ففعل، فتبعوه، فحلق بعضهم، وقَصَّر بعض، وكان من بادر إلى الحلق أسرع إلى امتثال الأمر، ممن اقتصر على التقصير، وقد وقع التصريح بهذا السبب في حديث ابن عباس -رضي الله عنها- المشار إليه قبلُ، فإن في آخره عند ابن ماجه وغيره: "أنهم قالوا: يا رسول الله ما بال المحلقين ظاهرت لهم بالرحمة؟ قال: لأنهم لم يشكُّوا".

وأما السبب في تكرير الدعاء للمحلقين في حجة الوداع، فقال ابن الأثير في "النهاية": كان أكثر من حج مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يَسُقِ الهدي، فلما أمرهم أن يفسخوا الحج إلى العمرة، ثم يتحللوا منها، ويحلقوا رؤوسهم شقّ عليهم، ثم لما لم يكن لهم بُدّ من الطاعة، كان التقصير في أنفسهم أخفّ من الحلق، ففعله أكثرهم، فرجّح النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فعل مَن حَلَق؛ لكونه أبين في امتثال الأمر. انتهى.

قال الحافظ: وفيما قاله نظر، وإن تابعه عليه غير واحد؛ لأن المتمتع يستحب في حقه أن يقصر في العمرة، ويحلق في الحج، إذا كان ما بين النسكين متقاربًا، وقد كان ذلك في حقهم كذلك، والأولى ما قاله الخطابيّ وغيره: إن عادة العرب أنها كانت تحب توفير الشعر، والتزين به، وكان الحلق فيهم قليلًا، وربما كانوا يرونه من الشهرة، ومن زِيّ الأعاجم، فلذلك كَرِهُوا الحلق، واقتصروا على التقصير. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في حكم حلق الرأس:

ذهب إلى وجوب حلق جميعه مالك، وأحمد، واستحبه الكوفيون، والشافعيّ، ويجزئ البعض عندهم، واختلفوا فيه: فعن الحنفية الربع، إلا أبا يوسف، فقال: النصف، وقال الشافعي: أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات، وفي وجه لبعض أصحابه: شعرة واحدة، والتقصير كالحلق، فالأفضل أن يُقَصِّر