للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يقع في الروايات كلها التصريح بوقت الخطبة إلا في هذا الحديث، كما يشير إليه كلام الحافظ السابق، فلا ينبغي العدول عنه، فتأمله حقّ التأمل، والله تعالى أعلم.

وقوله: (يَسْأَلُونَهُ) في محل نصب على الحال من الضمير الذي في "وَقَفَ"، أو من "الناس"، أي وقف لهم حال كونهم سائلين له، أو هو استئناف بيانيّ، فكأنه قيل له: ما سبب وقوفه، فأجاب يسألونه (فَجَاءَ رَجُلٌ) عطف على قوله: "وَقَفَ"، قال الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-: لم أعرف اسم هذا السائل، ولا الذي بعده في قوله: "ثم جاء آخر"، والظاهر أن الصحابيّ لم يُسَمِّ أحدًا؛ لكثرة من سأل إذ ذاك، وقال في موضع آخر: لم أقف على اسم هذا السائل بعد البحث الشديد، ولا على اسم أحد ممن سال في هذه القصة، وكانوا جماعة، لكن في حديث أسامة بن شريك، عند الطحاويّ وغيره: "كان الأعراب يسألونه"، فكان هذا هو السبب في عدم ضبط أسمائهم. انتهى.

ومما يدل على كون السائلين جماعة متفرقين اختلاف أسئلتهم عن التقديم والتأخير، كما سيأتي بيانها (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ أَشْعُرْ) -بضم العين- من باب نصر: أي لم أَفْطَنْ، يقال: شَعَرْتُ بالشيء شُعُورًا: إذا فَطِنت له، قيل: وعلى هذا يكون مُؤَدَّى الاعتذار النسيان، قال الباجيّ: يَحْتَمِل أن يريد به نسيت، فقدمت الحلاق. انتهى، وقيل: الشعور: العلم، وعلى هذا المعنى: لم أعلم المسألة قبل هذا، ويؤيده لفظ يونس التالي: "لم أشعُر أن الرمي قبل النحر، فنحرت قبل أن أرمي، وقال آخر: لم أشعر أن النحر قبل الحلق، فحلقت قبل أن أنحر"، فبيّن يونس مُتَعَلَّق الشعور، أي العلم، ولم يفصحه مالك في روايته، وإلى الاحتمالين معًا أشار الإمام البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه" إذ ترجم على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-: "باب إذا رَمَى بعدما أمسى، أو حلق قبل أن يذبح ناسيًا، أو جاهلًا"، قال العينيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فإن قلت: قيّد في الترجمة كونه ناسيًا أو جاهلًا، وليس في الحديث ذلك، قلت: جاء في حديث عبد الله بن عمرو ذلك، وهو قوله: "لم أشعُر، فحلقت قبل أن أذبح … " الحديث، فإن عدم الشعور أعم من أن يكون بجهل أو نسيان، فكأنه أشار إلى ذلك؛ لأن أصل الحديث واحد، وإن كان المخرج متعددًا. انتهى.