قال صاحب "المرعاة": ولا يُشكل عليه ما في حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أنه وقف بمنى للناس يسألونه، بناءً على أن المتبادر منه أن وقوفه كان لتعليم الناس، وسؤالهم، لا للخطبة، فإنه لا منافاة بين الأمرين، فكان أصل وقوفه للخطبة، وكان وقت سؤال أيضًا، فسأله في ذلك الوقت السائل عما فاته من حجه، وعما أدرك، وعما قَدَّمَ وأَخَّر، وسأله قوم عن المستقبل، فعلّمهم دينهم، وأفتى، وأجاب عن مسائلهم.
وذكر ابن حزم في "صفة حجة الوداع": أن هذه الأسئلة عن التقديم والتأخير كانت بعد عوده إلى منى من إفاضته يوم النحر. انتهى.
نعم يُشكل على ما قال الحافظ من كون الخطبة يوم النحر بعد الزوال ما وقع في حديث رافع بن عمرو المزنيّ -رضي الله عنه- بلفظ:"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى … " الحديث، فإنه يدل على أن هذه الخطبة كانت وقت الضحى من يوم النحر -أي قبل طواف الإفاضة- ومشى على ذلك ابن القيم في "الهدي"، قال: ولم أقف على دليل صريح من الأحاديث في كون هذه الخطبة بعد الظهر بمنى بعد طواف الإفاضة كما ذهب إليه القائلون بمشروعية الخطبة يوم النحر.
ويمكن أن يجاب عن ذلك بالحمل على التعدد، كما تقدم عن عياض أنه حكاه احتمالًا، وقال المحب الطبريّ بعد ذكر قول ابن حزم المتقدم: قلت: ويَحْتَمِل أن الأسئلة تكررت قبله، أي قبل الزوال وبعده وفي الليل، والله أعلم. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: حديث رافع بن عمرو المزنيّ -رضي الله عنه- هو ما أخرجه أبو داود والنسائيّ بإسناد صحيح، عنه قال:"رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى، على بغلة شهباء، وعليّ -رضي الله عنه- يعبّر عنه، والناس بين قاعد وقائم".
فهذا حديث صحيح صريح في كون الخطبة وقت الضحى، لا بعد الزوال، فيردّ ما سبق عن الحافظ من ترجيح كون الخطبة بعد الزوال؛ لأنه لم