بمكة، وكذلك قالت عائشة -رضي الله عنها-: إنه طاف يوم النحر، وصلى الظهر بمكة، فاتفق الحديثان في وقت طواف الإفاضة، واختلفا في موضع صلاته لظهر ذلك اليوم.
ووجه الجمع بينهما أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الظهر بمكة كما قال جابر وعائشة -رضي الله عنهما-، ثم رجع إلى منى، فوجد أصحابه ينتظرون؛ ليصلّوا معه الظهر، فصلى بهم مرة أخرى، كما صلى بهم صلاة الخوف مرتين: مرة بطائفة، ومرة بطائفة أخرى، في بطن نخل، فرأى جابر وعائشة -رضي الله عنها- صلاته في مكة، فأخبرا بما رأيا، وقد صدقا، ورأى ابن عمر -رضي الله عنهما- صلاته بهم في منى، فأخبر بما رأى وقد صدق، وبهذا الجمع جزم النوويّ وغير واحد.
وقد جمع بعضهم بينهما بوجوه أخرى، وصار بعضهم إلى الترجيح، كما تقدم مُفَصّلًا في شرح حديث جابر -رضي الله عنه- في قصة حجة النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فلا تنس نصيبك، والله تعالى وليّ التوفيق.
وقد ورد في بعض الروايات ما يدل على أنه -صلى الله عليه وسلم- طاف طواف الإفاضة ليلًا، قال الإمام البخاريّ رحمه الله في "صحيحه": وقال أبو الزبير، عن عائشة، وابن عباس -رضي الله عنهم-: أخّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الزيارة إلى الليل، وقد تقرر أن كل ما علّقه البخاريّ بصيغة الجزم فهو صحيح إلى مَن عَلَّق عنه، مع أنه وصله أحمد، وأبو داود، والترمذيّ، وغيرهم من طريق سفيان الثوريّ، عن أبي الزبير به، وزيارته ليلًا في هذا الحديث المرويّ عن عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- مخالفة لما تقدم في حديثي جابر وابن عمر -رضي الله عنهم-، وللجمع بينهما أوجه، كما سبق:
منها: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- طاف طواف الزيارة في النهار يوم النحر، كما أخبر به جابر وعائشة وابن عمر، ثم بعد ذلك صار يأتي البيت ليلًا، ثم يرجع إلى منى، فيبيت بها، وإتيانه البيت في ليالي منى هو مراد عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم-، وقال البخاريّ رحمه الله -في "صحيحه" بعد أن ذكر هذا الحديث الذي علّقه بصيغة الجزم- ما نصه: ويُذكَر عن أبي حسان، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان يزور البيت أيام منى. انتهى.
قال الحافظ رحمه الله: فكأن البخاريّ عَقَّب هذا بطريق أبي حسان؛ ليجمع بين الأحاديث بذلك، فيُحْمَل حديث جابر وابن عمر -رضي الله عنهم- على اليوم الأول،