للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والأحكام، وأنه ينبغي لمن استؤمر أن يبادر إلى الإذن عند ظهور المصلحة (١).

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ رحمه الله: في هذا الحديث من الفقه ما يدلّ على أن سقاية الحاجّ ولاية ثابتةٌ لولد العبّاس، لا يُنازعون فيها، وقال بعض أهل العلم: وفيه إشارة إلى أن الخلافة تكون في ولد العبّاس، وأنه لا ينبغي أن يُنازعوا فيها، وأن ذلك يدوم لهم.

قال الجامع عفا الله عنه: في هذا الاستنباط نظر لا يخفى، فتأمل، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم المبيت بمنى ليالي التشريق:

ذهب مالك رحمه الله، وأصحابه إلى أنه واجب، ولو بات ليلة واحدة منها، أو جُلّ ليلة، وهو خارج عن منى لزمه دم؛ لأثر ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من نَسِي من نسكه شيئًا، أو تركه، فليهرق دمًا"، أخرجه البيهقيّ، وروى مالك في "الموطإ" عن نافع، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: لا يَبِيتَنّ أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة. وذهب أبو حنيفة رحمه الله إلى أن عدم المبيت بمنى ليالي منى مكروه؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- بات بمنى، وعمر كان يؤدِّب على ترك المقام بها، ولو بات بغيرها متعمدًا لم يلزمه شيءٌ عند أبي حنيفة، وأصحابه؛ لأنهم يرون أن المبيت بمنى لأجل أن يَسْهُل عليه الرمي في أيامه، فلم يكن من الواجبات عندهم.

وللشافعيّ رحمه الله في هذه المسألة قولان: أصحهما، وأشهرهما، وأظهرهما أنه واجب، والثاني أنه سنة، فعلى القول بأنه واجب فالدم واجب في تركه، وعلى أنه سنة فالدم سنة في تركه، ولا يبزم عندهم الدم إلا في ترك المبيت في الليالي كلها؛ لأنها عندهم كأنها نسك واحد، وإن ترك المبيت في ليلة من الليالي الثلاث، ففيه الأقوال المذكورة في ترك الحصاة الواحدة عندهم، أصحها أن في ترك مبيت الليلة الواحدة مُدًّا والثاني أن فيه درهمًا، والثالث أن فيه ثلث دم، وحكم الليلتين معلوم، والمعتبر في المبيت عندهم الكون بمنى


(١) راجع: "الفتح" ٤/ ٧٠٦.