وقال الحافظ رحمه الله في "التلخيص الحبير": حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- موقوفًا عليه ومرفوعًا: "من ترك نسكًا فعليه دم"، أما الموقوف فرواه مالك في "الموطإ"، والشافعي عنه، عن أيوب، عن سعيد بن جبير عنه، بلفظ: "من نسي من نسكه شيئًا، أو تركه، فليهرق دمًا"، وأما المرفوع، فرواه ابن حزم، من طريق علي بن الجعد، عن ابن عيينة، عن أيوب به، وأعلّه بالراوي عن علي بن الجعد، أحمد بن علي بن سهل المروزيّ، فقال: إنه مجهول، وكذا الراوي عنه علي بن أحمد المقدسيّ، قال: هما مجهولان. انتهى من "التلخيص الحبير". قال الجامع: فتبيّن بهذا أن هذا الأثر موقوفًا صحيح في غاية الصحّة، وأما المرفوع، فلا يصحّ، لكن الموقوف له حكم الرفع؛ لأنه مما لا يقال بالرأي، فالاستدلال به على وجوب الدم في ترك النسك صحيح، لا إشكال فيه، وإن لم يرد نصّ بذلك، فتأمل. وقال الشيخ الشنقيطيّ رحمه الله في "تفسيره" ٤/ ٤٧٣: وجه استدلال الفقهاء به -أي بأثر ابن عباس -رضي الله عنهما- المذكور- على سائر الدماء التي قالوا بوجوبها غير الدماء الثابتة بالنص، أنه لا يخلو من أحد أمرين: الأول: أن يكون له حكم الرفع؛ بناءً على أنه تعبد، لا مجال للرأي فيه، وعلى هذا فلا إشكال. والثاني: أنه لو فُرض أنه مما للرأي فيه مجال، وأنه موقوف ليس له حكم الرفع، فهو فتوى من صحابيّ جليل، لم يُعْلَم لها مخالف من الصحابة -رضي الله عنهم-، وهم خير أسوة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. انتهى كلام الشيخ الشنقيطيّ رحمه الله، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم بالصواب.