للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"لولا أن تُغْلَبوا (١) لنزلت حتى أضع الحبل على هذه"، يعني عاتقه، وأشار إلى عاتقه.

وفي رواية الطبرانيّ، من طريق يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة، في هذا الحديث: أن العباس قال له: إن هذا قد مُرِث، أفلا أسقيك من بيوتنا؟ قال: "لا، ولكن اسقني مما يشرب منه الناس".

(فَشَرِبَ) وفي رواية الطبرانيّ المذكورة: "فأُتي به، فذاقه، فقطّب، ثم دعا بماء، فكسره". قال: وتقطيبه إنما كان لحموضته، وكسره بالماء؛ ليهون علميه شربه، قال في "الفتح": وعُرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك. انتهى (٢).

(وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ) -رضي الله عنه- (وَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("أَحْسَنْتُمْ، وَأَجْمَلْتُمْ) أي فعلتم الحسن الجميل (كَذَا) أي مثل هذا الصنيع، وهو سقي النبيذ (فَاصْنَعُوا") أمرهم -صلى الله عليه وسلم- بأن يثبتوا على سقي النبيذ، فامتثلوا أمره، فلذا قال ابن عبّاس -رضي الله عنهما- (فَلَا نُرِيدُ تَغْيِيرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-) المعنى: أننا لا نغيّر سقاء النبيذ إلى سقاء غيره من العسل، واللبن، وإن كان ذلك أولى عند الناس؛ لأننا لا نغيّر شيئًا أمرنا به -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ هو الأولى لنا، واللائق بنا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.


(١) قوله: "لولا أن تغلبوا" -بضم أوله، على البناء للمجهول-، قال الداوديّ: أي إنكم لا تتركوني أستقي، ولا أحب أن أفعل بكم ما تكرهون، فتغلبوا، كذا قال، وقال غيره: معناه: لولا أن تقع لكم الغلبة بأن يجب عليكم ذلك بسبب فعلي، وقيل: معناه: لولا أن يغلبكم الولاة عليها حرصًا على حيازة هذه المكرمة، قال الحافظ: والذي يظهر أن معناه: لولا أن تغلبكم الناس على هذا العمل، إذا رأوني قد عملته؛ لرغبتهم في الاقتداء بي، فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت، ويؤيد هذا ما أخرجه مسلم من حديث جابر -رضي الله عنه-: أتى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بني عبد المطلب، وهم يسقون على زمزم، فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم، لنزعت معكم"، قاله في "الفتح" (٤/ ٥٦٧).
(٢) "الفتح" ٤/ ٥٦٧، ٥٦٨.