للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عوضًا عن أجرته، ولفظه: "ولا يُعطِي في جزارتها منها شيئًا".

وقال ابن خزيمة رحمه الله: النهي عن إعطاء الجزار: المراد به أن لا يُعْطَى منها عن أجرته، وكذا قال البغويّ في "شرح السنة"، قال: وأما إذا أُعطي أجرته كاملة، ثم تُصُدّق عليه إذا كان فقيرًا كما يتصدق على الفقراء، فلا بأس بذلك.

وقال غيره: إعطاء الجزار على سبيل الأجرة ممنوع؛ لكونه معاوضةً، وأما إعطاؤه صدقة، أو هدية، أو زيادة على حقه فالقياس الجواز، ولكن إطلاق الشارع ذلك قد يُفْهَم منه منع الصدقة؛ لئلا تقع مسامحة في الأجرة لأجل ما يأخذه، فيرجع إلى المعاوضة.

قال القرطبيّ: ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصريّ، وعبد الله بن عُبيد بن عُمير. انتهى (١).

واختُلِف في الْجزارة، فقال ابن التين: الجزارة بالكسر اسم للفعل، وبالضم اسم للسواقط، فعلى هذا فينبغي أن يقرأ بالكسر، وبه صحّت الرواية، فإن صحت بالضم جاز أن يكون المراد: لا يعطى من بعض الجزور أجرة الجزار.

وقال ابن الجوزيّ، وتبعه المحبّ الطبريّ: الجزارة بالضم اسم لما يُعْطَى، كالْعُمَالة وزنًا ومعنًى، وقيل: هو بالكسر كالحجامة، والخياطة، وجَوَّز غيره الفتح.

وقال ابن الأثير: الجزارة بالضم، كالعمالة: ما يأخذه الجزار من الذبيحة عن أجرته، وأصلها أطراف البعير: الرأس، واليدان، والرجلان، سُمِّيت بذلك؛ لأن الجزار كان يأخذها عن أجرته. انتهى (٢).

(قَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("نَحْنُ نُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِنَا") أي نعطي الجزّار أجرته مما لدينا من المال، غير الجزور.

قال القرطبيّ رحمه الله: هذا مبالغة في سدّ الذريعة، وتحقيق للجهة التي تجب


(١) "المفهم" ٣/ ٤١٦، و"الفتح" ٤/ ٦٧٠.
(٢) "الفتح" ٤/ ٦٦٩.