وأجاب إسماعيل القاضي بأنه كان بالحديبية، حيث كانوا مُحْصَرين.
وتُعُقّب بأنه ثبت عن جابر -رضي الله عنه- عند مسلم هنا أنه قال:"حججنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنحرنا البعير عن سبعة، والبقرة عن سبعة"، ولا شك أن المراد بحجه -صلى الله عليه وسلم- حجة الوداع؛ لأنه لم يحج بعد الهجرة حجة غيرها.
وبالجملة فالأحاديث الصحيحة تدل على جواز الاشتراك للسبع في بدنة أو بقرة، ويدل على جواز الاشتراك أيضًا ما رواه البخاريّ عن أبي جمرة قال: سألت ابن عباس عن المتعة، فأمرني بها، وسألته عن الهدي، فقال: فيها جزور، أو بقرة، أو شاة، أو شرك في دم. انتهى.
قال الحافظ رحمه اللهُ قوله:"أو شرك" بكسر الشين المعجمة، وسكون الراء، أي مشاركة في دم، أي حيث يجزئ الشيء الواحد عن جماعة، وهذا موافق لما رواه مسلم عن جابر -رضي الله عنه- قال: خرجا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مهلّين بالحج، فأمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نشترك في الإبل والبقر كلُّ سبعة منا في بدنة.
وأجاب إسماعيل القاضي عن حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- هذا بأنه خالف أبا جمرة في ذكره الاشتراك المذكور ثقاتُ أصحاب ابن عباس، فرووا عنه أن ما استيسر من الهدي شاة، ثم ساق ذلك بأسانيد صحيحة عنهم، عن ابن عباس، قال: وحدثنا سليمان، عن حماد بن زيد، عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن ابن عباس، قال: ما كنت أرى أن دمًا واحدًا يقضي عن أكثر من واحد. انتهى.
قال الحافظ رحمه اللهُ: ليس بين رواية أبي جمرة، ورواية غيره منافاة؛ لأنه زاد عليهم ذكر الاشتراك، ووافقهم على ذكر الشاة، وإنما أراد ابن عباس بالاقتصار على الشاة الرد على من زعم اختصاص الهدي بالإبل والبقر، وذلك واضح فيما سنذكره بعد هذا، وأما رواية محمد عن ابن عباس فمنقطعة، ومع ذلك لو كانت متصلة احتَمَل أن يكون ابن عباس أخبر أنه كان لا يرى ذلك من جهة الاجتهاد، حتى صح عنده النقل بصحة الاشتراك، فأفتى به أبا جمرة، وبهذا تجتمع الأخبار، وهو أولى من الطعن في رواية من أَجمع العلماء على توثيقه، والاحتجاج بروايته، وهو أبو جمرة الضُّبَعيّ.